ما هي مشكلة مصر الأساسية؟. سؤال حير الكتاب، والمحللين، والفلاسفة على مر العصور ..، ليست المشكلة الفقر، ولا الحرية، ولا الإنفجارالسكاني، .. ليست العلة في الحسد، أو النحس، أو في عمل مزروع في بطن سمكة، .. ليس هناك مؤامرة داخلية، ولا خارجية، ولا كونية كما يصور البعض، .. مشكلة مصر الأساسية "تسويقية".
مصر تمتلك مقومات هائلة، بل فريدة، ولكنها تفتقد القدرة على تسويقها، هذه هي المشكلة ببساطة، فهي تملك حضارة عمرها 7 آلاف عام، وثلث آثار العالم، بينما هي عاجزة عن جلب ثمانية ملايين سائح، فيما توجد دول لديها بعض البيوت القديمة التي لا يتجاوز عمرها 100 عاما، وتجلب لزيارتها الملايين.
قناة السويس أحد أهم المجاري البحرية في العالم ، وأقصر ممر مائي بين قارتي أوروبا وآسيا، ولكنها لا تستحوذ إلا على 1% فقط من سوق النقل العالمي، وتجنى منها 5.4 مليارات دولار في العام، بينما تستحوذ قناة بنما على 38 % من سوق النقل العالمي، وتحصد 30 مليار دولار سنويا.
تملك مصر ثروة بشرية هائلة خرجت وصنعت حضارات في دول أخرى عديدة، ولكنها عجزت عن استغلالها في الداخل، فتحولت إلى رقم كبير في إحصائيات البطالة .
تتمتع مصر بثروات طبيعية في مجال التعدين، ولكنها تعجز عن استخراجها، فاستعانت بشركات أجنبية بعد أن آمنت بالمثل الكاذب "اعطي العيش لخبازه ولو ياكل نصه"، ولكن الشركات الأجنبية أكلت ثلاث أرباعه، وليس نصفه، كما يحدث في منجم السكري.
مصر هبة النيل كما قال هيرودوت، وهو شريان الحياة النابض في جسد الأرض، ولكنها ـ ويا للكارثة ـ تتصدر قائمة أكبر مستوردي القمح في العالم.
ولمصر مكانة دولية لا يستهان بها، حيث يوفر لها موقعها الجغرافي، وثقلها العربي ميزة استثنائية، .. فإذا زمجرت يمكن أن يقف العالم على رجل كما يقول التعبير الشعبي، كما حدث عندما أمم عبدالناصر قناة السويس، وكما شن السادات حرب أكتوبر 1973، ولكنها الآن تبعثر كالمجنون أوراقها السياسية في الهواء.
تتميز مصر بالتعليم، حيث قام المعلم المصري بتعليم ليس فقط أبناء شعبه، ولكن الشعوب الأخرى، وذلك من خلال البعثات التعليمية المصرية التي كانت تنطلق من القاهرة إلى الدول المختلفة، عربية وإفريقية، ولا زال التعليم المصري ـ رغم التحديات التي تواجهه ـ يقوم بدوره في التعليم، والتثقيف، والتوعية .
ولكن المصريون الذين تفوقوا في علوم الجبر، والحساب، والهندسة، والفلك، والعمران، والطب منذ فجر التاريخ، فشلوا في أهم العلوم وهو "التسويق".
أي نعم هناك بوادر جيدة لإقبال الأجيال الجديدة على هذا التخصص، ومن مظاهرها دخول المصريين سوق العلاقات العامة في السعودية ودبي، وهو المجال الذي احتكره طويلا اللبنانيون، إلا أن المشكلة لازالت قائمة.
تسويق المنتج أهم من المنتج نفسه، وقبل أن تقدم منتج يجب أن تفكر أولا في تسويقه، وإلا ستكون خسارة الفادحة.
نحتاج ثورة تسويقية شاملة، تبدأ بتغيير المفاهيم الاجتماعية، والتي تعتمد فقط على البركة والتوكل على الله، وهما من المفاهيم التي يؤمن بها المصريون، وتهمل إلى جانب ذلك الترويج، والتسويق، والبزنس، وإدارة الأعمال، والعلاقات العامة.
نحتاج للتسويق، جامعة، وبرنامج إبتعاث، وفضائيات، ودعم حكومي كامل، وإدخال البعد الاقتصادي في كل شيء حتى الثقافة، يجب "تسويق مصر" لتحويل الكنوز المصرية التي عفا عليها التراب من مجرد مجد معنوي إلى دولارات، واستثمارات، وأسهم في البورصات العالمية.