عارضنا الإخوان والسلفيين والمتشددين، لأنهم يمارسون الوصاية الدينية على المجتمع، وبعد أن راح هؤلاء غير مأسوف عليهم، اكتشفنا للأسف أن هناك من يمارس وصاية من نوع آخر على نفس المجتمع، وهي "الوصاية السياسية".
خلصنا من رجال الحسبة الدينية، الذين يطاردون الناس بالعصي، ويجبرونهم على أداء الفروض الدينية، ليحل محلهم رجال الحسبة السياسية الذين يطاردون نفس الناس بنفس العصى، ويحاولون إجبارهم على آراء سياسية معينة.
حدث ذلك رغم أن الشعب قام بثورتين عظيمتين من أجل الديمقراطية، ثورة 25 يناير 2011، التي تمكن فيها الشعب المصري من إزاحة نظام دكتاتوري قبع على أنفاسه 30 عاما، وتنفس لأول مرة الحرية، وثورة 30 يونيو 2013 التي أسقط فيها نفس الشعب العصابة التي أرادت مصادرة نفس الحرية.
أي نعم الفاتورة التي دفعتها البلاد كبيرة جدا، مئات من الشهداء ، وآلاف من المصابين، وخسائر مالية تقدر بأكثر من 120 مليار جنيه، .. أي نعم قفز على الثورة الإخوان، والانتهازيون ، والنشطاء، والعملاء، والحرامية، وأولاد الحرام، .. أي نعم لازال الفساد ضارب بجذورة في تربة الوطن، والجهلاء يتقلدون المناصب، أي نعم أن الأمور اختلطت، فاختلط الوطني بالعميل، والحرامي بالشريف، والصديق بالعدو.. إلا أن الثورة ـ أي ثورة ـ لا تظهر ثمارها في عامين، أو أربعة، أو حتى عشرة.
الثورة الفرنسية احتاجت عشرات السنين لكي تؤتي ثمارها، وتضع الشعب الفرنسي على طريق الحرية، فالثورة لا تعني تغيير نظام، ولكن تغيير بنية سياسية، واجتماعية، واقتصادية شاملة، من هنا كانت الصعوبة.
إذا كان الهدف إزاحة نظام ، فإن ذلك سهل، ولكن المشكلة في إزاحة ركام هائل من الجهل، والفساد، والتبعية والعجز، والفشل، وهو أمر لا يمكن إنجازه في يوم وليلة، ولكن يستلزم سنوات وسنوات .
قبل أيام من الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير، ارتفعت وتيرة الهجوم عليها، ولو كان الأمر مقتصرا على إبداء الرأي، فلا مشكلة، ولكن أن يصل الأمر إلى تخوين كل من شارك بها أو أيدها، فإن ذلك ما لا يقبله عقل.
أعلم ان الجراح كبيرة ودامية، و 25 يناير فتحت كتاب الدم والنار، وكشفت العديد من الفئات التي قامرت بالوطن، وركضت بانتهازية عجيبة وراء الإخوان، ممنين أنفسهم بالحصول على العطايا والمناصب، أعلم حجم الخطر الذي تعرضت له البلاد، وهو أكبر خطر يتعرض له المصريون على مر التاريخ، ولكن ذلك لا يمنع أن نفكر بموضوعية، وأن لا تمنعنا الدموع من رؤية الحقيقة.
إختلاف الآراء ظاهرة طبيعية ، وهي فضيلة إنسانية ، فعن طريق الاختلاف تتحرك مياه النقاش الراكدة، ويعمل العقل، ويفكر، ويعرف في النهاية الصواب من الخطأ، وليس أدل على ذلك من ثورة 23 يوليو 1952 التي لازال البعض مختلفا عليها حتى الآن.
25 يناير ثورة عظيمة، وإن تآمر عليها الخونة والعملاء في الداخل والخارج، وحاول امتطائها المجرمون، ونتائجها لن تظهر في المدى القريب ، ولكن بعد سنوات بعيدة، وإن كانت بشائرها بدأت تلوح في الأفق، و30 يونيو ثورة تصحيح عظيمة أيضا قام بها الشعب والجيش والقوى السياسية لتصحيح المسار .
أيد هذا الكلام .. اعترض عليه، لا ضغينة، سب والعن في 25 يناير أو غيرها ، لا يهم، فهذا رأيك ..، المهم أن لا تمارس الحسبة السياسية، وتطارد الناس بالعصى، وتحاول أن تجبرهم على رأي سياسي معين.
تاريخ الإضافة: 2016-01-20تعليق: 0عدد المشاهدات :1240