القاهرة : الأمير كمال فرج .
خرجت من حفرة وقعت في دحديرة .. هذا هو حال مصر الآن . فبعدما نجت من الفاشية الدينية التي رفع شعارها "الإخوان"، أصبحت مهددة بفاشية من نوع آخر وهي "الفاشية الجنسية"، وإذا أردنا الدقة .. هي مهددة بمجموعة من الفاشيات ، كل فاشية تحاول جذبها ، بينما هي في الوسط حائرة زائعة العينين، ممزقة الثياب.
السلفيون يتزعمون فاشية، و"النوشتاء" يتزعمون أخرى، واعلاميو القطاع الخاص يتزعمون فاشية غريبة مستوردة فرضها أولياء النعمة، ولكن الفاشية التي لم نكن نتصورها هي "الفاشية الجنسية".
والفاشية الجنسية ينادى بها هذه المرة ـ للأسف ـ مثقفون، وتتركز مطالبها في "حرية الكاتب"، والحرية المقصودة هنا أن يقول أي شيء، حتى لو حرض على الإرهاب، والقتل ، وهدد الأمن القومي ، حتى لو قذف الأعراض، ونشر معلومات سرية في نشرها خطر على أمن الوطن .. ، حتى لو نشر كلاما بذيئا يخدش حياء الشباب والمراهقين، .. الفاشية الدينية ترفع في الظاهر راية "حرية الابداع" ولكنها في الحقيقة تنادى بحرية الانفلات، والخروج على القانون.
الفاشية الجنسية الجديدة أطلت ـ هذه المرة ـ إعتراضا على حكم قضائي نهائي بسجن كاتب لمدة عامين بسبب فصل روائي تضمن عبارات ومقاطع بذيئة .
الرواية ـ التي صدرت بعنوان "إستخدام الحياة " ـ كاتب مؤلف شاب اسمه أحمد ناجي، أثارت الاعتراضات بعد نشر فصل منها في صحيفة "أخبار الأدب" القاهرية ، حيث تضمن هذا الفصل عبارات بذيئة ، وأوصاف جنسية تخدش حياء القاريء .
القاريء للفصل "موضوع المشكلة" يكتشف بالفعل أنه يتضمن عبارات خادشة لا يجرؤ أحدهم على أن يذكرها أمام أبنائه، ولكن رغم ذلك هاج المثقفون وماجوا، وتباكوا على الحرية والابداع ، ووجدوها فرصة للطعن في النظام السياسي ، رغم عدم مسؤولية النظام عن حكم أصدرته محكمة ، .. حتى الذين هاجموا الرواية سابقا ، قرروا أن يركبوا الموجة بعد ما البروباجاندا التي حدثت، وراح يندد بسجن الكاتب .
والله .. لو اقتصر الأمر على الرأي لقلنا "لابأس" لأن الحرية التي ينادي بها هؤلاء تلزمنا احترام الرأي أيا كان ، ولكن أن يصل الأمر إلى التطاول على القضاء والدولة، بل على الرئيس عبدالفتاح السيسي، والتشهير بالنظام السياسي للدولة، والتهديد بثورة جديدة فإن هذا ما لا يمكن أن نتقبله .
نطالب بحرية الإبداع في النقد والكشف والتغيير، ونشجع على التفكير والاجتهاد، والبحث، ولكن ذلك لا يعني أن نقبل التجاوزات ضد الدين والمعتقدات والأخلاق ، كأن تسخر كاتبة من نبي الله إبراهيم وتصف رؤيته حول الأضاحي بـ "الكابوس" ، وأن يصرح كاتب بالأسماء العامية لأعضاء التناسل عند الرجل والمرأة، ويصف للقراء عملية جنسية كاملة.
المؤسف في موقف المثقفين من هذه القضية، هو استهانتهم بأحكام القضاء ، فالحكم أصدرته محكمة مصرية، وهناك مراحل معروفة للتقاضي ، وهذه القضية لازال أمامها فرصة النقض، والاعتراض على الحكم طعن في سيادة القضاء ، ومحاولة لاستعداء الشعب عليه ، وإثارة الفوضى، وإذا غاب القانون .. غاب كل شيء .
المؤسف أيضا حملة التشهير التي يقودوها المثقفون في الداخل والخارج ضد مصر، والتي تصب في صالح الأعداء الذين يتحينون الفرص للانقضاض على الوطن، وكان من الأجدى أن نتناقش داخل البيت الواحد ، لا أن نعقد المؤتمرات الدولية التي تمزق في جسد الوطن الجريح أصلا .
مصر لازالت ممزقة بين عدة من الفاشيات القوية والمسلحة ، لكل منها أنصارها ومؤيدوها ، .. بينما تستعد فاشيات أخرى للتكون، وبين هذه وتلك ضاعت "الوسطية الجميلة" التي عرفت بها مصر على مر القرون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيما يلي تقرير نشرته وكالة "رويترز" منذ قليل، وهي تغطية حول مؤتمر نظمه المثقفون حول سجن الكاتب ، لنقرأ ونرى إلى أي مدى وصل الأمر :
(بعد سجن كاتب مصري.. مثقفون يحذرون من "ثورة جديدة"
ثقافة/مصر/سجن
25 فبراير, 2016
القاهرة 25 فبراير شباط (رويترز)
بعد أيام من صدور حكم قضائي بسجن كاتب.. حذر مثقفون مصريون في مؤتمر صحفي بنقابة الصحفيين بالقاهرة مساء اليوم الخميس من "ثورة جديدة بعد ثورتين" في ظل
تكرار ما اعتبروه تكريسا للاعتداء على الحريات العامة.
كانت محكمة بالقاهرة برأت الكاتب أحمد ناجي مؤلف رواية (استخدام الحياة) وطارق الطاهر رئيس تحرير صحيفة أخبار الأدب التي نشرت فصلا من الرواية اعتبره مواطن خادشا للحياء وأبلغ النيابة العامة التي حركت الدعوى. ثم أصدرت محكمة جنح استئنافية بالقاهرة السبت الماضي حكما بالحبس سنتين على ناجي واقتادته الشرطة من قاعة المحكمة إلى السجن لتنفيذ الحكم.
وتضمن الحكم الأخير تغريم الطاهر عشرة آلاف جنيه (١٢٧٧ دولارا). و(أخبار الأدب) صحيفة أسبوعية تصدرها مؤسسة أخبار اليوم الرسمية. وحمل العدد الجديد من (أخبار الأدب) والذي يصدر الأحد القادم وصدرت نسخة مبكرة منه اليوم الخميس صورة للكاتب المدان وعنوانا واحدا هو (الحرية لأحمد ناجي) وبيان تضامن وقعه عشرات المثقفين منهم خمسة وزراء سابقين للثقافة إضافة إلى حلمي النمنم وزير الثقافة الحالي.
وقال الطاهر في مؤتمر عنوانه (لا لمحاكم التفتيش) بنقابة الصحفيين إن دستور 2014 "حظي بموافقة غير مسبوقة في تاريخ الدساتير المصرية ولكنه لا يطبق... وعلى مجلس الوزراء الذي جاء وفقا لهذا الدستور أن يستقيل احتجاجا على انتهاكه" حيث تمنع المادة 67 من الدستور الحبس في قضايا النشر الأدبي وتكتفي بالغرامة.
وأقر النمنم في المؤتمر بوجود تراجع في الحريات العامة بمصر في الآونة الأخيرة التي شهدت سجن إعلامي وكاتبة بتهمة "ازدراء الأديان" ثم حبس ناجي بسبب فصل من رواية نشرته الصحيفة في أغسطس اب ٢٠١٤ لكنه استنكر نداء أحد الحضور "اتخذ موقفا" بقوله "لا أحد يملي علي ما يجب أن أتخذه" لينتهي المؤتمر بكلمات تشدد على الدعوة إلى رفع سقف الحرية العامة وهو ما أجمع عليه الحضور ومنهم عضوا
البرلمان آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر ومحمد زكريا محيي الدين ورئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد وأحمد بهاء الدين شعبان وكيل مؤسسي الحزب الاشتراكي المصري.
وقال المخرج مجدي أحمد علي "تفاءلنا بقيام (الرئيس عبد الفتاح) السيسي بالتصدي للفاشية الدينية ولكننا نشهد كل يوم اعتداء على الحريات العامة وعلى الدستور نفسه... سيكون ذلك مقدمة لثورة جديدة."
والمعنى نفسه كرره صراحة الروائي صنع الله إبراهيم في رسالة قرئت في المؤتمر سجل فيها أن الأمر لا يخص الكاتب المحبوس وحده "القضية أن هناك اعتداء صارخا على الدستور من القضاء فهو لا يعترف بالقوانين وتجلى ذلك في مجموعة من الأحكام بذريعة قوانين قديمة مخالفة للدستور."
وأضاف أنها "هجمة شرسة واضحة ضد الثورتين" في إشارة إلى احتجاجات شعبية حاشدة في 2011 أنهت حكم الرئيس حسني مبارك ثم أدت الثانية في يونيو حزيران 2013 إلى عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي
لجماعة الإخوان المسلمين.
وقال إبراهيم "هذه الهجمة ردة ترعاها الدولة بأجهزتها التشريعية والقضائية والتنفيذية. من حقنا أن نقول إنها ثورة مضادة وإن الدولة ترعاها وإن الرئاسة لا تستنكرها. يجب أن يتوقف هذا حتى لا يؤدي لثورة جديدة مبررة."
وقرأ المنتج السينمائي محمد العدل (بيان تضامن مع سجناء الفكر والرأي) وقعه كل من اتحاد الناشرين العرب واتحاد الفنانين العرب واتحاد كتاب مصر ونقابة الصحفيين وجبهة الإبداع المصري ونقابة
المهن السينمائية وجمعية نقاد السينما يشدد على "الرفض التام والاحتجاج على مجمل أحكام الحبس التي صدرت خلال الشهور الماضية في قضايا تخص حرية الفكر والتعبير."
وسجل البيان أن حبس كاتب بسبب رواية "هو في حد ذاته جريمة تتجاوز أي جرم ممكن أن تحمله سطور رواية من الخيال" داعيا أعضاء البرلمان إلى تنقية كافة القوانين من المواد التي قال إنها تتعارض
مع الدستور معتبرا هذه المبادرة "من شأنها استرداد الثقة في النظام السياسي."
وكان بيان لعشرة من أعضاء لجنة صياغة دستور 2014 حث النائب العام على "التدخل السريع لوقف تنفيذ جميع الأحكام الصادرة في هذه القضايا والمستندة إلى قوانين غير دستورية).