القاهرة : الأمير كمال فرج .
شهدت الساحة الثقافية في مصر في السنوات الأخيرة ظهور العديد من المشاريع الثقافية الذاتية التطوعية، ورغم إمكاناتها البسيطة تميزت، وتفوقت على العديد من الجهات الرسمية المدعومة بالبشر والإمكانات، وعلى رأسها وزارة الثقافة.
والممارسات الثقافية الذاتية موجودة منذ سنوات طويلة، مثل صالون اللبنانية مي زيادة ، وصالون العقاد، وغيرهما، والغريب أن هذه الجهود الذاتية العفوية تركت بصمات قوية في الساحة الثقافية ، بشكل لم تحققه العديد من المشاريع الرسمية، ولا ننسى مجلات "الماستر" التي ظهرت في الثمانينات، وشكلت رغم إمكانياتها البسيطة المتواضعة حركة ثقافية فريدة، أفرزت العديد من المبدعين .
في المجال الثقافي ظهر منذ سنوات صالون سلوى علوان الثقافي الذي أسسته وتقود أعماله بجد وحماس الأديبة سلوى علوان ، والمتابع لنشاط هذا الصالون الذي تنشر مؤسسته فعالياته عبر صفحتها في فيسبوك سيكتشف أن العمل الثقافي لا يحتاج إلى أموال، ولا بهرجة ، أو أبواق إعلامية، بقدر احتياجه إلى الصدق والاخلاص والابداع والابتكار .
ومن المشاريع الثقافية الذاتية التي ظهرت في السنوات الأخيرة مركز عماد قطري للابداع والتنمية الثقافية والذي أسسه الشاعر عماد قطري، والمتابع لنشاط المركزـ الذي ينفق عليه مؤسسه من ماله الخاص ـ سيكتشف أن المركز الذي لم يتعدى عمره 4 سنوات تمكن من خدمة الساحة الثقافية في العديد من المجالات مثل النشر الابداعي ، والمسابقات الأدبية ، والفعاليات الشعرية والثقافية، وقدم ما لم تستطع جهات ثقافية رسمية عدة تقديمه، حيث سيحتفل قريبا بالإصدار رقم 300 .
مشاريع أخرى كثيرة تتحرك وتعمل في المدن والقرى، حتى في البيوت ، يلتف حولها المبدعون ، مثل صالون مجدي شحاته بالرياض، وصالون القرضا الثقافي بكفر الشيخ ، وملتقى مرايا بالمحلة الكبرى الذي يشرف عليه الشاعر مختار عيسى .
العمل الثقافي في الأساس تطوعي ذاتي، لذلك ليس غريبا أن تنجح مشاريع فردية ذاتية بسيطة ، وتترك بصماتها على الحركة الثقافية، بينما تتعثر مؤسسات ثقافية رسمية كبرى، والسبب أن المشاريع التطوعية تحررت من الروتين، وتسلحت بالدافع الذاتي وهو الإبداع العامل المهم لنجاح أي مشروع ، بينما المؤسسات الحكومية المترهلة تعاني مما تعاني منه الأجهزة الحكومية من فقدان الحماس والدافعية، والروتين، والرؤية الإدارية القاصرة البعيدة تماما عن رؤية المبدعين .
لذلك كان المبدع الفقير الأعزل الذي يدير مشروعه الثقافي الخاص ينتصر على الموظف الذي يعمل في مؤسسة ثقافية رسمية مسلحة بالإمكانات، إلا في حالات خاصة صودف فيها أن يكون الموظف الرسمي مبدعا، وإن كانت مهمته ستكون صعبة، لأن الثقافة طائر حر طليق لا يعيش بين الجدران.
السؤال الآن .. لماذا لا تمد المؤسسات الثقافية الرسمية يدها لهذه المشاريع الفردية التطوعية، وتقدم لها على الأقل المقار اللائقة، وهي كثيرة تنعق بها الغربان؟، لماذا لا تتخلى الأجهزة الرسمية عن الفوقية والبرجوازية، واحتكار العمل الثقافي، وتنزل قليلا إلى الأرض، وتعترف بجهود العديد من الجماعات والصالونات الثقافية، والمبادرات الشعرية والفكرية التي تعمل بهمة ونشاط في كافة بقاع الوطن ؟.
الواقع يؤكد أن الأمر ليس سهلا ، وأمامي على الأقل حالة أو إثنين كانت نتيجتهما مخيبة للآمال، فمنذ سنوات مد أمين عام المجلس الأعلى للثقافة الدكتور محمد أبو الفضل بدران يده لإحدى المؤسسات الثقافية التطوعية وهي مركز عماد قطري للابداع والتنمية الثقافية، ووافق على أن ينظم فعالية ثقافية في مقر المجلس المجهز الوثير ، فما كان من أحد الشعراء إلا أن هاج وماج ، وكتب منتقدا مبادرة المسؤول الثقافي، مدعيا أن الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة ينفق على مؤسسة عماد قطري .
وإن كانت الساحة لا تخلو من إيجابيات ، ومنها تعاون جامعة القاهرة مع مؤسسة سلوى علوان في تنظيم فعاليات ثقافية وإنسانية جميلة، وهو ما قوبل بارتياح الجميع .
انتشار المشاريع الثقافية التطوعية رد فعل طبيعي لعجز الأجهزة الثقافية الرسمية عن احتواء المبدعين ، وتقديم إبداع حقيقي يعبر عن الناس، ولكن رغم أن المبدع المصري ينفق من جيبه على الثقافة والإبداع، من البداية وحتى النهاية ، بعض الجهات الرسمية تتململ وتعترض ، وينطبق عليها المثل الذي يقول "لا ترحم ولا تسيب رحمة ربنا تنزل ".