كلما رأيت فكرة صغيرة يطلقها شاب أو مجموعة من الشباب في مقتبل العمر في الغرب وتُحَقق المليارات، أتحسر على العالم العربي الذي يقتل مبدعيه بمنجل التخلف، والجهل، والحقد، والضغينة .
كلما رأيت الناس في دول النور والشمس والحرية تحتفي بالناجح والمتفوق والمتميز، وكيف يحيطونه بأيديهم كما نحيط بالشمعة في الظلام خوفا عليها من الهواء، كلما أَسِفْتُ لحال المبدع العربي الذي يُطارَدُ بالأحذية، وينتظره الحاقدون في كل منعطف بالعصيِّ والشوم.
إنتابني هذا الشعور عندما رأيت كيف نجحت لعبة "بوكيمون جو" التي أطلقتها شركة نينتندو اليابانية الأسبوع الماضي، وكيف سيطرت خلال أسبوع واحد على العالم ، وأصابت الشباب بالهوس، وكيف رفعت اللعبة خلال أيام من قيمة الشركة المصنعة إلى 15 مليار دولار .
إنها الحسرة، وربما الغيرة الانسانية الطبيعية، أو قُلْ خيبة أمل المثقف العربي الذي يرى الغرب يفكر ويبدع وينجح، بينما يتخبط أهله وعشيرته، وبني وطنه، وقومه في التخلف .
في العالم العربي .. زامر الحي لا يطرب، هذا ما كتبه التاريخ، وليت الأمر إقتصر على ذلك ، فإذا كنت مبدعا لن يتركوك في حالك ، سيبذلون كل الجهد لإسقاطك، بالوشاية، والاضطهاد ، والرفض ، والتخوين، في العالم العربي نعادي النجاح ، تلك هي القاعدة، فالمبدع زنديق مبتدع جاء بما لم يأتي به الأوائل..
النجاح حرية، والفشل دكتاتورية، لذلك كان المبدع صعلوكا خارجا على ناموس القبيلة، لعنة تصيب الحقول بالبوار، والنساء بالعقم، شبح يذكرنا كل يوم بجهلنا وتخلفنا الذي تحدثت عنه الركبان .
الحالة الوحيدة التي نحتفي فيها بالمبدع ، إذا لمع خارج الوطن واعترف به الغرب ، هنا فقط ـ ووفقا لعقدة الخواجة ـ نركض لنعد عنه البرامج التلفزيونية، تماما كما حدث مع مي مدحت الشابة المصرية التي احتفى بها أوباما في مؤتمر رواد المشاريع الصغيرة الذي أقيم الشهر الماضي في ستانفورد.
موقع فيسبوك الذي غير من أساليب التواصل في العالم أطلق فكرته طلاب في جامعة هارفارد ، وكم لدينا في مصر مئات بل آلاف الطلاب الذين يملكون الفكرة والقدرة على الإبداع ، ولكن تعرضوا للدهس تحت أقدام الأقارب والمحاسيب، وأصحاب الحظوة، والسلم الوظيفي المكسور الذي لا يعترف بالمبدعين.
ظهر فيسبوك عام 2004، وحقق النجاح في سنوات بسيطة، فكيف لم تنمو في أرضنا نخلة، أو شجرة، أو حتى زرعة غلال ؟، هل التربة عندهم "سوبر تربة" تطلع الثمرة بسرعة؟، ونحن تربتنا من الطين والروث ؟، لا تطرح إلا العنف والإرهاب والشياطين ؟
هل ننتمي لعالمين مختلفين؟، بالطبع لا ، فالعالم واحد، والأرض هنا مثل الأرض هناك ، ولكن الفرق في البيئة، في الثقافة التي تحتفي بالنجاح هناك، وتزدري الكفء هنا، في المستوى الثقافي الذي رحب بلعبة بكيمون هناك، ومستوى الجهل الذي حرمها وطالب بمصادرتها هنا.
بالطبع الصورة ليست على هذا النحو من البؤس، فلدينا أيضا نماذج ناجحة، ولكن الفرق أن النجاح لدينا استثناء، أما النجاح لديهم فهو القاعدة الثابتة التي لا تتغير أبدا.
مناهضة النجاح ثقافة عربية، خلل جيني، مرض قديم ضارب في تكوين العرق العربي منذ فجر التاريخ ، آفة اجتماعية وأزمة أخلاقية خطيرة.
من القلب أهنيء صناع لعبة بوكيمون جو ، أو بوكيمون قف وفقا للعالم العربي، وغيرها من الاختراعات الخلاقة التي يقدمها الغرب لنا كل ثانية، والتي تؤكد قدرة الإنسان هناك على التفكير والإبداع ، وتؤكد استحقاقهم للقب "العالم الأول"، وفي المقابل عزائي للمواطن العربي المحروم من التفكير والخَلْق والإبداع، والذي استحق بجدارة هذا اللقب المتأدب "العالم الثالث".