من هو أسوأ صحفي ..؟، قابلتُ على مدار رحلتي الصحفية التي تربو على الربع قرن العديد من الأشخاص في بلاط صاحبة الجلالة، منهم الصالح، ومنهم الطالح ، منهم ابن الناس، ومنهم من يمكن أن تطلق عليه بعد التخفيف، والتلطيف، والارتقاء بالألفاظ أولاد شوارع، منهم من عملوا، وأبدعوا، وأحرقوا أعمارهم من أجل الرسالة، ومنهم من تسلقوا بالأسافين، والوشايات العابرة للقارات.
الصحافة مهنة الوعي، والتثقيف، والتنوير، ورسالة الأنبياء، ضمت للأسف في بعض الأحيان أسوأ خلق الله، فرأينا الواشي، والمرتشي، والخائن، والعميل .. النماذج الواطية من الطبيعي أن نقابلها، فالحياة عُمْلَةٌ من جانبين حلو ومر ..، خير وشر، حقيقي ومزيف، ولكن المفجع أن تكون هذه النماذج غير الأخلاقية في أروقة مؤسسات تعلِّمُ الناسَ الأخلاق.
رأينا الصحفي الذي كل مؤهلاته أنه يغسل الفواكه يوميا لرئيسه في العمل، والمراسلة التي تسرق المواد من المواقع وترسلها للصحيفة التي تعمل بها، ولكن غباءها لم يوحي لها بأنْ تراجع المادة التي تتضمن أناس في ذمة الله.
رأينا الصحفي الذي يفرغ نفسه كل يوم لساعات لتفقد الصفحات التي يعدها زميله، وإذا وجد موضوعا نشر من قبل، يطير فرحا إلى الرئيس ليشي بزميله الذي يبتسم في وجهه ليل نهار، وزوار السفارات المستعدين لتقديم أي شيء مقابل المال.
رأينا الصحفي الذي يرسل رسائل غرامية للمراسلة المتزوجة، وآخر يوقع بين زميله وزوجته، فتنتهي العلاقة بينهما بالطلاق، رأينا الصحفي الذي يجعل من مطبوعته فخا لاصطياد الفتيات.
رأينا صحفيا يسرق اللوحات الزيتية من الفنادق في الرحلات الخارجية .. أي والله، وصحفيين يتسلمون رواتب شهرية من شركات ورجال أعمال بل وزارات، لكي يمرروا لهم أخبارهم، وصحفيين يتفننون في محاربة المبدعين، والمجتهدين ، وتطفيشهم.
في باريس فوجئتُ بصحفية تشبه بائعة الخضار، تنتمي لمؤسسة عريقة، ومدعوة لنفس المؤتمر، تطلب مني ـ بصفاقة ـ الشريط الذي سجلتُ فيه متابعتي الصحفية لكي تنشرها في صحيفتها، هل تتذكر الصحفية التعيسة التي مثلت مصر في مهرجان الأوسكار العام الماضي، فأضحكت علينا العالم.
بعض الصحفيين زيفوا الحقائق، وتواطئوا مع الفساد، ودمروا الدول، وشردوا الشعوب، كالقراصنة الذين أغاروا على جزيرة، ولم يتركوا فيها إلا الخراب.
فما سبب انحطاط المهنة لهذا المستوى؟، وكيف تسربت إليها هذه النماذج المشوهة ؟، كيف تحولت الصحافة من صاحبة الجلالة إلى غانية يتناوب عليها اللصوص، وقطاع الطرق، وأولاد الحرام؟، كيف إنتقل الصحفيون الذين كانوا من صفوة المجتمع إلى الدرك الأسفل من القاع.
كيف تحول محمد التابعي صاحب عبارة "أن يفوتك 100 سبق صحفى أفضل من أن تنشر خبرا كاذبا"، والذي كان يلقب بـ "أمير الصحافة"، وغيره ـ إلى "كلاب الحراسة" الذي يعيشون على الفبركة، وظيفتهم النباح على هذا، والنباح على ذاك.
كشفت ثورة 25 يناير 2011 بعض الفئات التي يحلو للبعض تسميتها بـ "النخبة" ومن بينها ـ للأسف ـ "الصحفيين" الذين مارس العديد منهم لعبة الكراسي الموسيقية من مبارك إلى الإخوان، إلى المجلس العسكري، إلى السيسي.
كاركتر محفوظ عجب الصحفي الأفَّاق الذي قدمه الكاتب الراحل موسى صبري في مسلسل "دموع صاحبة الجلالة" لم يكن الوحيد الذي يدل على انحدار المهنة، فبين عامي 1993 و2016 الآلاف من محفوظ عجب يمكن أن تضمهم مئات الروايات والمسلسلات.
عندما نتحدث عن مشاكل الصحافة، هناك العديد من النقاط المتعلقة بالمهنية، والحرية، والإمكانات وغيرها .. ولكن لا يمكن أن نتجاهل الخلل الرئيسي وهو الصحفي نفسه، لأن "فاقد الشيء لا يعطيه".