التدمير الثالث החורבן השלישי هحوربان هشليشي عنوان مقالتي باللغة العبرية، وهو يشير إلى "الهيكل الثالث"، فمنذ تدمير هيكل هيرودوس، الهيكل الثاني بعد هيكل سليمان، عام 70 للميلاد على يد الجيش الروماني بقيادة تيطس، يدعو اليهود في صلواتهم أن يعيد الله بناء الهيكل ثالثاً في القدس، مكان المسجد الأقصى ، وذلك جزء من العقيدة اليهودية المحرفة.
كتبتُ العنوان بالعبرية لعدة أسباب، أولها : أنها رساله للعدو، ولكي تصل يجب أن تكون بلغته بطريقة مباشرة، والثاني التنبيه بتقصيرنا الشديد في مخاطبة العدو بلغته، وهو ما أفرز حالة الجهل العام تجاه الواقع الحقيقي في إسرائيل، والثالث لكي يصل المقال إلى أكبر عدد من الإسرائيليين الذين ضربوا أكبر مثَلً في الاستعباط التاريخي عندما احتلوا وطنا، وشرَّدُوا شعبا، ثم أصبح لديهم هذه القدرة العجيبة على التبجح السياسي.
أود أن يصل عنواني إلى كلِّ إسرائيلي، في أورشليم، وتل أبيب، وديمونة، وكريات أربع، وأشدود، بعيدا عن الترجمة التي تُفقد النص قوته، فقد آن الأوان أن نخاطب هذا الشعب، ليس فقط باعتباره شعبا محتلا، ولكن بصفتهم بشر يقرأون ويفكرون، وأن نعترف أخيرا أن الكلمة لا تقل أهمية عن الرصاصة، وكذلك لكي أرسخ مبدءا جديدا وهو ضرورة أن نتحدث مع العدو بلغته، بعد أن أهملنا ذلك ردحا طويلا من الزمن.
إسرائيل هي العدو التاريخي للعرب ، تلك هي الحقيقة التي لم تستطع أن تغيرها المعاهدات والاتفاقات الدولية ، فلم تنجح كامب ديفيد ولا غيرها في إقناع الشعب المصري بقبول المحتل، لم ينجح السلام البارد المفروض علينا أن ينسى الأسر المصرية شهداءها الذين سقطوا في ثلاث حروب خضناها مع المحتل، رغم مرور 56 عاما لازال الجرح حيا نابضا، وصور الراحلين الأبيض والأسود بالزي الكاكي تحتل مكانها في الصالات وغرف الجلوس، ووجوه الشهداء تطلع كل يوم على الحوائط والبيوت، وهو ما عبر عنه المطرب الشعبي شعبان عبدالرحيم الذي غنى "أنا باكره إسرائيل".
رغم السلام ، والإنبطاح والهرولة العربية، لازالت نصيحة العم أمل دنقل "لا تُصالح" حلقة في الآذان . "لا تُصالح ولو منحوك الذهب"، حتى لو تسابق الرؤساء العرب للجلوس على موائد القتلة.
إسرائيل لديها العديد من المواقع على الإنترنت، وعشرات الصفحات على مواقع التواصل باللغة العربية، والمضحك أنها تحتفل بالمناسبات العربية ومن بينها رمضان، وفي إطار خطتها الإعلامية إبتكرت شخصيات إسرائيلية موجهة تتحدث العربية، مثل مارك حلاوة الذي يقدم برنامجه المدعوم الموجه للشعوب العربية "اسأل حلاوة"، وفي المقابل ليس لدينا ولو صفحة واحدة موجهة باللغة العبرية، وكانت النتيجة أن اسرائيل تكسب كل يوم أرضا جديدة بينما نحن نتخبط في الظلام .
عرضت على صديقي الخبير في الشؤون الاسرائيلية إسلام الشافعي، والذي يجيد العبرية أن نطلق حملة باللغة العبرية موجهة للشعب الإسرائيلي ، فلم يتحمس، وقال لي أن "هذا يحتاج إلى مؤسسات" ، وهو بالطبع كذلك .. ، ولكن المؤسسات الإعلامية العربية الفاشلة غائبة عن قضاياها الداخلية ، فكيف تدرك أهمية الانتباه لقضايا الوطن الخارجية ، ومنها أهمية وجود إعلام عربي موجه إلى إسرائيل .
جامعاتنا تدرس العبرية، وأنا كذلك درستها في كلية الآداب، فلم يفكر أحدا في توجيه نشرة، ولو أسبوعية باللغة العبرية ، أو تأسيس موقع على الإنترنت، أو حتى صفحة بالعبرية تخاطب الشعب الإسرائيلي بلغته، وتقنعه بالمستندات أنه يحتل الأرض ويزوِّرَ التاريخ ، من بين 1230 فضائية عربية ، لم يفكر أحد في إطلاق برنامج سياسي باللغة العبرية ، أو إضافة فقرة في نشرة الأخبار بهذه اللغة، يفكرون فقط في برامج الهلس والفرفشة، في ظل غياب رؤية عربية وسياسة إعلامية شاملة .
"أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت" .. "اعرف عدوك" .. عرفنا في السبعينيات العدو جيدا، فانتصرنا عليه في 6 أكتوبر 1973، فماذا نفعل الآن ، ومعلوماتنا عن المجتمع الإسرائيلي "0"، بينما يعرف العدو عن مجتمعاتنا العربية كل شيء؟
الحروب العسكرية انتهت، والميدان الآن للحروب الثقافية، وحتى الآن العدو ينتصر في هذه الحرب الافتراضية الخفية، ويضم في معسكره كل يوم الأنصار والمؤيدين، وأحد الأدلة على ذلك ارتفاع المصريين المتزوجين من إسرائيليات إلى 30 ألف وفق تقديرات 2010 ، وتحول إسرائيل العدو التقليدي للعرب ـ تحت ضغط الفقر ـ إلى مطمح للمهاجرين الهاربين عبر الحدود .
نجحت إسرائيل في المعركة الإعلامية مع العرب إلى حد كبير، فأقنعوا العالم بأن الفلسطيني الذي يقتل إسرائيليا إرهابي، ونسى الناس أنه يدافع عن أرضه المغتصبة .
"اعرف عدوك" .. ، ولكي يتحقق ذلك يجب أن تتقن اللغة العبرية، لتعرف كيف يفكر العدو، .. وهذا بالطبع لا يندرج تحت التطبيع الثقافي، ولكن كما يقول الأثر "من عرف لغة قوم أمن مكرهم" .. اعرف عدوك .. عندها فقط ستنتصر على إسرائيل .