لماذا خلق الله البشر؟، الإجابة القرآنية تقول "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، العبادة سبب للخلق .. ولكن هناك هدف ومهمة أساسية عظيمة ، وهي "إعمار الأرض" .
فالله تعالى لم يكلف المسلم بالعبادات فقط، ولكنه كلفه بالسعي، والبناء، والعمل، والاجتهاد، والقراءة، والتدوين، والتفكر، والتدبر .. والعلم، والزرع، والحصاد .. أفعال كثيرة وردت في القرآن الكريم إذا جمعناها سنكتشف أنها جميعا تشكل التكليف الإلهي العظيم وهو "إعمار الأرض".
لم يرد الله عز وجل مجرد عباد يتعبدون ليل نهار، ولكنه أراد مجتمعا إسلاميا نموذجيا يجمع بين الدين والدنيا، العبادات والمعاملة، بل أنه رفض نموذج الناسك الذي ينقطع للعبادة فقط .
العقل البشري يتفهم الأمر بالعبادة، وكذلك الأمر بإعمار الأرض، ويوقن الحكم التي أرادها الخالق من ذلك، ولكني أعتقد أن هناك حكم أخرى محجوبة، لا يقدر العقل على استيعابها، كغيرها من الأسرار التي اختصها الله لنفسه، ومن بينها الروح التي قال تعالى عنها "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي".
ربنا ماخلقت هذا باطلا ، .. أعتقد ـ والله أعلم ـ أن هناك حكم أخرى تكمل ثنائية "العبادة والعمل" يمكننا استقراء بعضها مما تم التصريح به كيوم القيامة، والحساب، والجنة والنار ، وهناك أهداف محجوبة اختصها الله لنفسه ، يعزز ذلك قوله تعالى "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا".
لن نناقش قضية العبادة أولا أم العمل؟، لأنهما وجهان لعملة واحدة، كلاهما يخدم الآخر ، ويدعمه ، لذلك يمكننا القول أن العبادة والعمل هما عماد التكليف الإلهي للبشر .
ولكن المشكلة أن المسلمين ركزوا على العبادة وأهملوا العمل، وظل تعاملنا معه كسلوك، رغم مكانة العمل الأساسية في التكليف الإلهي .
أورد الله في الكتاب والسنة العديد من الآيات والأحاديث التي تحض على العمل وتبين مكانته، وجزاءه، إلا "العمل" قد يكون أخذ حقه كسلوك إيجابي، ولكن لم يأخذ حقه كتكليف إلهي بعد، وهذا ربما يفسر تراجع المسلمين.
دعا الله عز وجل إلى العمل ، ليس ذلك فقط، ولكن إلى إتقانه، ولعظم هذه المهمة أمرنا لو جاء أحدنا الموت وفي يده فسيلة فليزرعها، ووعد العاملين المجتهدين بحسن الثواب، وأكد أن هذا العمل سواء كان دينيا أم دنيويا سيراه الله هو ورسوله والمؤمنون، حتى أنه اعتبره في بعض المواضع نوعا من العبادة.
العمل ليس فقط سلوكا جيدا نحث الناس عليه، ولكنه التكليف الإلهي الأساسي، فإذا كلفك رئيسك في العمل بمهمة محددة ستطير من على الأرض، ولن تنام حتى تنفذها ، فما بالك والتكليف هذه المرة مباشر ومحدد من خالق الكون، العمل عبادة لا تقل عن العبادات الدينية ، وهو باب الجنة، حيث أكد تعالى أن العمل الصالح ليس له جزاء إلا الجنة .
ياأيها المتعبون في الأرض، العاملون في المصانع على خطوط الإنتاج،، وساحات البناء تحت أشعة الشمس الحارقة، أيها العاملون في الزراعة، والتجارة، والتدريس، والسياقة، والحياكة، الساهرون في الشوارع، والمستشفيات، والميادين .. أيها العاملون الذين يفنون أعمارهم في خدمة الناس، ويحصلون على رواتب هزيلة، بينما يحصل الأحبة على الرواتب الكبيرة، لا تبتئسوا، ولا تقنطوا من رحمة الله.
لا تحزنوا من الظلم الإداري، والأعمال المضاعفة، وعدم التقدير، لأنكم لا تعملون لدى البشر الذين يأكلون ويشربون ويأتيهم ملك الموت، بل تعملون عند أعظم صاحب عمل، وأعظم مدير وهو الله، في أعظم مهمة إنسانية وهي إعمار الأرض .
تاريخ الإضافة: 2016-08-11تعليق: 0عدد المشاهدات :2105