عندما تقوم بعمليات بحث متعددة في "يوتيوب" يغلق الموقع فيديوهاته أمامك ، وتظهر لك نافذة اختبار بعنوان "أنا لست روبوت".. وتحتها زر "موافقة"، وتحتها بعض الصور ، ونص يقول "وردنا من شبكتك العديد من الطلبات .. رجاء تحديد الصور التي تتضمن لافتة بقالة .. ، ويكون عليك الضغط على الصور المطلوبة ثم الضغط على زر "موافقة".
إذا كانت إجاباتك كلها سليمة تكون قد اجتزت الاختبار الغريب، ويفتح الموقع أبوابه لك مرة أخرى ، وإذا تعثرت تظهر لك نافذة اختبار جديدة، وهكذا ..
هذا الاختبار الأمنى الذي يتبعه موقع "يوتيوب" وبعض مواقع التواصل الاجتماعي يأتي ـ كما يظهر الإقرار الغريب ـ للتأكد من أن المستخدم بشر من لحم ودم، وليس جهاز آلي هدفه اختراق الموقع بكثرة الطلبات .
هذا الإقرار التقني الطريف استدعى أمامي التطور التقني المتتابع الذي حدث في السنوات الأخيرة، ونجاح الانسان في إحراز تقدم هائل في مجال التقنية عامة ، وفي مجال الروبوتات تحديدا، حتى أصبح لدينا روبوتات تقوم بالأعمال المنزلية، وأخرى في الاستقبال، وثالثة في البنوك، ورابعة لتغذية إحساس الأمومة للمحرومات من الإنجاب.
التطور المذهل الذي حدث في مجال الروبوتات دفع البعض إلى التحذير من هيمنة هذه الأجهزة الغريبة على حياتنا في المستقبل القريب ، والطريف أن البعض حذر من نمو المشاعر بين الانسان والآلة ، ودفع الخوف من المستقبل إحدى الشركات إلى التوجس من استخدام الروبوتات في أغراض جنسية . ووصل الأمر بالبعض إلى المطالبة بوضع مدونة لأخلاقيات الروبوت.
يجب أن نعترف بالمأذق الكبير الذي نشأ عن تطور أبحاث الذكاء الاصطناعي، وتقدم الروبوت، وانتشاره في حياتنا، وهو ما سيحدث في المستقبل القريب حسب الدراسات التقنية، وبالنظر إلى "حجم التطور" الذي حدث في هذا المجال في السنوات القليلة الماضية، يمكن تقدير ما يمكن أن يصل إليه هذا الروبوت في المستقبل ، وهي أشياء كانت إلى وقت قريب ضربا من الخيال .
هل تتذكروا فيلم الخيال العلمي الهوليودي الذي يتحدث عن تطور نظام كمبيوتري صنعه الانسان، وخروجه عن سياقه المبرمج، حتى فقد الانسان السيطرة عليه، وتحول إلى آلة جهنمية تقتل وتدمر وتتآمر لتدمير البشر ، وظل أبطال الفيلم طوال العرض يحاولون إعادة السيطرة على هذه الآلة المدمرة.
العديد من المخترعات التي بين يدينا الآن كانت منذ خمس سنوات فقط في حكم الخيال، ولكن بالبحث والتفكير والابتكار أصبحت واقعا ، منه نظام تحديد المواقع المعروف بـ GPS ، لذلك لا يمكن استبعاد تطور الروبوت للدرجة التي لا يمكن التحكم به ، قد لا يصل الأمر إلى ما وصل إليه خيال مؤلف الفيلم الهوليودي، ولكن يمكن جدا أن يصل الأمر إلى مرحلة قريبة من ذلك .
يجب أن ندرس مستقبل التقنية، ونضع القواعد التي تجعل الآلات في خدمة الانسان، والأهم الحدود التي لا تمنع خروج هذه الآلات عن الهدف الموضوع لها ..
التقنية تتطور بسرعة أكبر من اللازم، والخوف .. كل الخوف أن يأتي الزمن الذي تتحكم فيه الآلات في جميع تفاصيل حياتنا، لنصبح أسرى لمجتمع الآلات، ويتحول إقرار "أنا لست روبوت" الذي وضعته "يوتيوب" إلى إقرار عام يلتزم به البشر ، ومسوغ مطلوب في الأوراق الحكومية مثل التعيين، والحصول على قرض، أو سلفة.. ، فإذا ذهبت للتقدم إلى وظيفة عليك أن تقدم إقرارا بأنك لست روبوت، وإذا تقدمت للجامعة تأمل فيك الموظف قليلا بنظرة شك ، وقالك لك .. هل أنت روبوت ؟.