الصحفي الزميل ج ع ترك مجلة "هي" ليعمل في وكالة للعلاقات العامة، نفس الأمر فعله ن ق من "عكاظ"، ومن قبلهم ح ع الذي ترك "المدينة" ليعمل مديرا للعلاقات العامة في إحدى المستشفيات، وغير هؤلاء كثيرون.
حتى الصحفي الصديق عمدة الصحافة الفنية علي فقندش ترك "عكاظ" ـ التي كانت تعرف به وليس العكس ـ ليعمل في التقديم التلفزيوني، وإن كان ذلك أدخله التاريخ عندما كتب له مطرب العرب محمد عبده أغنية خاصة هي "ليه يافقندش" التي يقول فيها " ليه يافقندش بتنحاش .. خلّي الصحافة لمين .. ومين هينكش وينبش .. هنلاقي زيك فين".
منذ زمن بعيد والصحافة مهنة لا أمان لها ، والعامل بها يفتقد الأمان الوظيفي، فاليوم أنت صحفي يشار له بالبنان، وغدا في الشارع، فالصحافة مهنة بلا قواعد، وتلك قضية قديمة قتلت بحثا ولم تحسم بعد، وهو ما دفع الكثيرون إلى محاولة الإمساك بالعصا من المنتصف، بالجمع بين الصحافة والوظيفة الحكومية.
ولكن المشكلة الآن أخطر ، لأن المهنة تفقد العصب الرئيسي لها، وهو الصحفي الحقيقي الذي يملك سر المهنة، والأسباب متعددة، الأول الأزمة التي تواجه الصحافة الورقية الآن بسبب تطور الصحافة الألكترونية، وتغير آلية الحصول على معلومات من الورق إلى شاشات الكمبيوتر، وانحسار الإعلانات، وغلاء مستلزمات الطباعة بسبب الصعود المجنون للدولار، وهو ما دفع العديد من الصحف إلى تقليص الكوادر البشرية بها للاستمرار .
السبب الثاني جمود رواتب الصحفيين في الوقت الذي تقدمت فيه رواتب العديد من المهن لمواجهة التضخم الذي ضرب الكثير من المجتمعات، وهو ما جعل الصحافة مهنة متوسطة العائد، خاصة مع افتقاد معظم المؤسسات الصحفية للآليات الموضوعية لتحديد الرواتب والمستحقات.
السبب الثالث افتقاد الصحافة في العالم العربي لقواعد التوظيف العادلة، والارتقاء الوظيفي، فالمحرر الذي يعين في صحيفة، سيظل كذلك حتى لو قضى 50 عاما في عمله، بغض النظر عن كفاءته، ربما السبب في ذلك العمل الصحفي نفسه، والذي يعاني من الجمود الوظيفي، ويفتقر لآليات التعامل مع المبدعين والمتفوقين.
السبب الرابع والذي لم يرد على بال، هو تراجع الحرية الاعلامية في بعض الدول، وهو ما أضاف ضغطا جديدا على صاحبة الجلالة، ذلك أن الصحافة مهنة لا تزدهر إلا في مناخ الحرية واحترام حرية الرأي.
الصحافة مهنة بلا أب ، الجميع يتبرأ منها، حتى عندما أنشأنا النقابات الخاصة بها ، كانت نقابات منزوعة الصلاحية، يقتصر عملها على الجانب الخدمي، دون التطرق إلى مستقبل المهنة.
التحديات أمام الصحافة كثيرة، ولكن التحدى الأكبر الذي لا ينتبه إليه ملاك الصحف ورؤساء التحرير هو تسرب الكفاءات منها، تحت المناخ الطارد مرة، أو الحاجة مرة أخرى، أو الرغبة في تحقيق الطموح الشخصي المشروع مرة ثالثة.
سفينة الصحافة في خطر، وأبنائها يهربون منها بالقفز الاختياري، بالطبع المسؤولية في ذلك تقع على الصحف نفسها التي تتخذ العديد من الإجراءات للخروج من الأزمة، ولكنها تتجاهل العنصر الأهم للخروج من القمقم، وهو الصحفي المخضرم الخبير.
الصحافة تنقرض، ومفهوم الإعلام يتغير، لتظهر أنماط جديدة للحصول على المعلومة مثل الصحافة الألكترونية، والأيام حبلى بأساليب جديدة للإعلام والإخبار والترفيه والميديا، لذلك يجب أن تستعد المؤسسات الصحفية، ونقابات الصحفيين، والمؤسسات الإعلامية للأسوأ.
يجب أن تعلن هذه المؤسسات الطواريء لمواجهة التحديات التي تواجه المهنة، وذلك أولا بتنظيم مؤتمر دولي لتطوير الصحافة الورقية، وثانيا الاستعداد للتقفيز الإجباري، وإفلاس العديد من الصحف التي لن تتمكن من مواكبة التطور، وتسريح الآلاف من الصحفيين، وتأمين حقوق المغادرين، وثالثا دعم التحول التاريخي من الصحافة التقليدية إلى الألكترونية.