وفقا لعقدة الخواجة المتأصلة في الشعوب العربية، دخلت العديد من المظاهر الأجنبية حياتنا ، ليس ذلك فقط ، ولكنها حصلت على نوع غريب من القداسة لا تحصل عليه في بلادها، وكان لذلك تأثيرات سياسية واقتصادية واجتماعية أيضا.
من مظاهر ذلك ظاهرة الفرانشايز أو الامتياز التجاري ، وفيه يحصل وكيل عربي على حق استخدام العلامة التجارية لمنتج عالمي في الدول العربية ، ورغم تحفظي الشخصي على الفرانشايز الذي يعني بمفهومي البسيط ـ غير المتخصص البعيد عن المصطلحات الاقتصادية ـ الفشل الإداري.
الفرانشيز إنفجر في وجوهنا خاصة بعد الانفتاح الذي جلب معه العديد من المظاهر السلبية والإيجابية، إذا لم تصدق انظر حولك لترى العديد من الأسماء الأجنبية .. كنتاكي ، ماكدونالدز، وهارديز ، وصب واي وغيرها .. الامتيازات التجارية احتلت شوارعنا لتكون دليلا جديدا على فشلنا الإداري.
ولكن الغريب أن يمتد هوس العرب بالعلامات التجارية الأجنبية إلى الصحافة، حيث تسابقت العديد من المؤسسات والدول العربية للحصول على امتياز إصدار نسخ عربية من صحف، ومجلات، ومواقع إخبارية أجنبية، وكانت النتيجة ظهور عشرات المجلات والمواقع الإخبارية التي تحمل أسماء أجنبية مثل نيوزويك عربي، وسكاي نيوز عربية، وهافنجتون بوست عربي .. وغيرها ..
المتابع لهذه التجارب سيكتشف من أول وهلة أن العقل العربي لم يتغير، وأن الاسم الأجنبي المشهور لم ينجح في تجميل المحتوى ، وكما يقول المثل "المنحوس منحوس ولو ركبوا في رقبته فانوس"، فقد استخدم العرب فرانشايز الصحافة للوجاهة أحيانا، ولتنفيذ أجندات سياسية أحيانا أخرى، والأخطر أن البعض لجأ إلى أسماء الصحف الأجنبية لتكون قناعا لتنفيذ أغراضه المدمرة.
عقدة الخواجة دخلات الصحافة العربية من خلال الامتياز الصحفي الأجنبي، وكانت تجربة مضحكة ، لأن الفارق هائل بين الصحافة العالمية والصحافة العربية ، بيننا وبينهم مئات من السنين الضوئية، فهناك توجد ديمقراطية، وهنا لا، هناك مناخ اجتماعي وسياسي يشجع على التعددية وحرية الرأى ، ونحن لازلنا نجادل حول الحرية نتقدم خطوة، ونرتد خطوات.
ألم يكن من الأولى بدلا من استيراد الصحافة الأجنبية الشقراء خضراء العينين من بلاد الله خلق الله، تأسيس منتج صحفي عربي جيد يحظى بالقبول والاحترام ؟، ولكن القضية كما أسلفت ليست قضية صحفية أو إعلامية، ولكنها قضية سياسية بامتياز.
ياليتهم ترجموا المنتج الصحفي الأجنبي إلى العربي كما هو ، لأفادوا الصحافة والحياة والمجتمع . إذ أن التفكير الأجنبي لازال ـ للأسف ـ يسبقنا بأشواط .. ليس في السياسة فحسب ، ولكن في العلوم، والتكنولوجيا والدراسات الاجتماعية وغيرها من مجالات الحياة .
ولكن المقاول العربي تعامل مع الأمر بشكل مختلف، فانحازت كل مطبوعة أجنبية معربة للدولة التي تعربها ، فقدم لنا المقاولون على المستوى المهني محتوى صحفيا ضعيفا موجها، وعلى مستوى الهدف قدموا لنا منابر تحفل بالمكايدات، والابتزاز، والمؤامرات السياسية، ليس ذلك فقط ، فالأخطر أن البعض قدم محتويات تروج للإرهاب.
من المؤسف أن تتحول صحيفة أمريكية عالمية محترمة مثل "هافنجتون بوست" على يد رئيس قناة "الجزيرة" السابق وضاح خنفر إلى أداة قطرية للابتزاز السياسي، والمكايدة، وتنفيذ أجندة خفية لإسقاط الأنظمة وتدمير الشعوب.
لا ألوم المؤسسة الصحفية الأجنبية التي تجد أحد العربان ومعه شيكات على بياض ومستعد لدفع أى مبلغ للحصول على امتياز اسمها التجاري لإصدار مطبوعة في بلده، ولكن هذه المؤسسات الصحفية العريقة لا تدري أنها بذلك تخاطر بسمعتها العالمية ، والقيم التي أسستها على مدار سنوات طويلة.
فرانشياز الصحافة وسيلة جديدة للنصب على الشعوب ، وباب جديد للديمقراطية الزائفة، والوجاهة الاجتماعية التي تداري عقدة نقص، ولكن كما يقول المثل "إيش تعمل الماشطة للوش العكر".