منذ 20 عاما شاهدت برنامجا طبيا أجنبيا، لفت نظري فيه أن الطبيب وصف لشاب مريض بارتفاع ضغط الدم حبوبا لمدة 3 أيام، وطلب منه التوقف بعد ذلك، عندها استغربت الأمر، لأن مرضى ضغط الدم عندنا في العالم العربي يتناولون العقار طوال العمر .
تكرر ذلك في برنامج أجنبي آخر، وعندما ناقشت طبيبا عربيا حول الأمر أكد لي أن المريض بضغط الدم يجب أن يتناول العقار مدى الحياة، فشعرت أننا نحن العرب نتعرض لعماية نصب كبيرة .
لست طبيبا ، ولكن من حقي أن أتساءل .. لماذا يشترط الأطباء العرب تناول دواء ضغط الدم مدى الحياة ، وما يترتب على ذلك من أموال وتكاليف، وأيضا مضاعفات لابد أن تنتج عن الاستخدام الطويل الأمد؟، ولماذا أطباء الغرب يرون عكس ذلك ؟.
هل هناك اختلافات جسمية بين العربي والغربي ؟، هل الضغوط التي نتعرض لها في المدن العربية المزدحمة السبب، وهل لمشاكل الحياة والركض اللاهث وراء لقمة العيش ، والأزمات الاقتصادية والسياسية والدكتاتورية والخُلق الضيق دور في جعل ضغط الدم عندنا من نوع خاص يطلع، ولا ينزل، ولو بالطبل البلدي؟
في إحدى السنوات قابلت سيدة لبنانية مقيمة في جدة كانت مريضة بالسرطان، وخضعت لعلاج شعبي ، وشفيت تماما من المرض ، حاولت إجراء حديث صحفي معها فاعتذرت السيدة المسنة بلباقة واكتفت بشكر الله.
في إحدى السنوات خضعت لفحوصات الكولسترول ، فأخبرني الطبيب بأن الكولسترول مرتفع، وأكد ضرورة أن أتناول عقارا لخفضه، وعندما سألت عن مدة العلاج، قال أن هذا العقار يجب أن أواظب عليه باستمرار ، يومها اسودت الدنيا في عيني، وعدت للمنزل محطما، ولكني بعد تفكير رفضت تناول العقار، وأخضعت نفسي لحمية خاصة ، وبعد شهر راجعت الطبيب وخضعت لنفس الفحص ، وكانت المفاجأة أن الكولسترول أقل من الحد المسموح، لدرجة أنني أخذت أسأل .. كيف يمكن للمرء رفع الكولسترول ؟
وقائع عدة جمعتها بجوار بعض لأشكل اللوحة النهائية ، التي إكتشفت من خلالها الحقيقة المرة، فقد تأكد لي الإعتقاد القديم وهو أن العرب يتعرضون لأكبر عملية نصب في المجال الطبي، حيث يتم استغلالهم أسوأ استغلال، وبدلا من أن يقوم الأطباء بتقديم العلاج الشافي، يقدمون لهم العلاجات المستمرة ، ليظلوا مشترين دائمين للدواء ، تماما كما يزرع تاجر المخدرات المخدر في جسم الضحية ليصبح بعد ذلك مدمنا للصنف، وزبونا دائما لديه، وهو ما يوفر له المزيد من الأرباح .
تذكرت ذلك كله أمس عندما قرأت رأيا مثيرا للصحفية والطبيبة الأمريكية الدكتورة إليزابيث روزنتال نشر في موقع الراديو الوطني الأمركي NPR ، أكدت فيه أن شركات الدواء لا تهتم بشفاء المريض، ولكنها تحرص على أن تقدم له العلاجات المستمرة، وعللت ذلك بأن وجود العلاج الشافي من المرض سيؤدي إلى أن تخسر هذه الشركات مليارات الدولارات .
أنا متأكد من وجود علاجات شعبية فاعلة لأخطر أمراض العصر ومن بينها السرطان ، ولكن هناك أيدي خفية مجرمة تمنع هذ العلاجات من الإنتاج والوصول إلى الناس، ويتواطأ في ذلك ساسة وحكام ودول، حتى يظل المواطن العربي مصدرا مستمرا للنقد، لا يهم إن ظل مريضا طوال العمر، أو نصنع كل يوم ملايينا من المدمنين لمادة خطيرة هي الدواء، المهم أن تحقق شركات الأدوية العابرة للقارات المليارات.
نحتاج إلى ثورة أخلاقية في الطب، تحدد الخط الفاصل بين الصحة والمال ، والربح والنصب، والرسالة والابتزاز، نحتاج إلى مؤسسات عربية وعالمية محايدة تحقق في أكبر عملية فساد تديرها شركات الأدوية التي أصبحت إستعمارا جديدا يحتل الدول دون طلقة واحدة.
آن الأوان لمواجهة مافيا شركات الدواء التي لا تعبأ بشفاء المريض، وتتعامل معه كسلعة يجب أن تحقق الربح، وفأر تجارب يجب أن لا يتوقف عن الدوران، ومدمن يجب أن يظل دائما مصدرا للمال.