في تايبيه عاصمة تايوان أو جمهورية الصين وسيلة النقل الأساسية هي "الفيسبا" نعم الفيسبا، وهي نوع صغير من الدراجات النارية، صنعت للمرة الأولى في بونتديرا بإيطاليا عام 1946، من قبل بياجيو، ومن هناك انتشرت في معظم أنحاء العالم.
إذا نظرت إلى الشارع التايواني ستجد الفيسبا في كل مكان، تنطلق في الشوارع ، وتقف في إشارات المرور ، ومركونة أمام العمارات والمحلات، يستقلها الرجل والمرأة ، والشاب والكهل ، والفتاة والسيدة، على السواء ، كل سائق فيسبا يرتدي واقي المطر ويحمل معه المظلة، وينطلق بسرعة، أما السيارات فقليلة، يقتصر استخدامها على التاكسي، وبعض الميسورين.
عند زيارتنا لمصنع HTC في تايبيه لاحظت أن المواقف الخاصة بالشركة ـ التي يعمل بها 5569 موظفا ـ مليئة بالمئات من الفيسبا ، هي لاشك عائدة للعاملين من الرجال والنساء ، وعندما اقتربنا من بوابة المصنع فوجئت بوجود سيارة واحدة في الباركنج، نعم واحدة.
واستخدام الفيسبا في التنقل له مزايا كثيرة، أولها الاستهلاك الأقل للوقود، فاستهلاك الفيسبا الصغيرة لا يقارن بالسيارة، كما أنها بحجمها الصغير قادرة على التحرك في كافة المناطق والأمكنة ، وكذلك الركن، مما يقلل من الزحام، عكس السيارة التي تتحرك في مساحات محددة، كما تحتاج إلى مساحة خاصة للركن.
واستخدام الفيسبا يحافظ على البيئة ، لأن العادم الناتج عنها لا يقارن بعادم السيارة ، وأخيرا هناك التكلفة ، فسعر الفيسبا لاشك سيكون قليلا جدا بالمقارنة بسعر السيارة، وهو ما يمكن المزيد من المواطنين من القدرة على شرائها ، واكتساب وسيلة نقل سريعة وسهلة، وهو ما سيقلل من الضغط على البنية التحتية للشوارع، كما سيقلل الضغط على وسائل المواصلات العامة.
كل مشكلاتنا لها حلول ، والحل دائما يبدأ بتغيير الثقافة السائدة، فمثلا لو تخلينا عن ثقافة السكن في شقق واسعة من 3 حجرات على الأقل ، ورضينا كما يحدث في الغرب بغرفة وصالة، لضربنا مشكلة الإسكان في مقتل، ولو تخلينا عن ثقافة قيادة السيارات، واستخدمنا وسائل نقل خفيفة مثل الفيسبا والدراجة النارية ، بل والدراجة العادية لقضينا على عدة مشكلات بحجر واحد.
ولكن العقبة الأولى دائما تكمن في تغيير الثقافة ، هل تذكرون المذيع بالتلفزيون المصري شفيع شلبي الذي تم إيقافه عن العمل أكثر من مرة، لأنه يذهب إلى عمله بدراجة . الدراجة في الغرب يقودها الوزير ورئيس الوزراء، ولكنها في العالم العربي تسيء للسمعة، وتستدعي الفصل .
التطور ثمرة التجربة ، ومن لا يتعلم من الآخرين يبقى حمار، والشعوب التي لا تتعلم من تجارب الشعوب الأخرى ، لن تتطور أبدا، لذلك آمل أن تدرس الجهات المسؤولة في مصر تعميم "الفيسبا" لتكون وسيلة المواصلات الأساسية، خاصة مع المشكلات المعقدة في مصر والتي تشابك مع مشكلة المواصلات، مثل الفقر ، والزحام، وغلاء المعيشة.
الفيسبا يمكن أن تكون وسيلة المواصلات الشعبية في مصر بشرط دعم الدولة لصناعة فيسبا تناسب البيئة المصرية بسعر 10 آلاف جنيه، وتقديم البنوك تسهيلات بدون فوائد لامتلاكها، وتقوم الأجهزة المحلية بتجهيز مستلزمات هذه الوسيلة من مواقف، وقواعد مرورية ، وتراخيص .
وقبل ذلك كله يجب أن نغير ثقافتنا الاجتماعية، ونتخلى عن حلم امتلاك السيارة، والذي دخل ـ بعد تعويم الجنيه ـ خانة المستحيلات، ولا نستنكف من الذهاب للعمل بفيسبا أو دراجة كما كان شفيع شلبي يفعل، لو فعلنا ذلك سننسف بذلك مشكلة كبيرة جدا تعرقل مسيرة التنمية.
تاريخ الإضافة: 2017-05-28تعليق: 0عدد المشاهدات :1372