أنصح أصحاب الفضائيات العربية ببيع حصصهم ، قبل أن تضيع أموالهم ، ويأخذها الغراب ويطير ، كل من يعمل في قناة فضائية عليه أن يدبر حاله، ويشتغل شغلانة تانية ، لأن القنوات الفضائية بدأت رحلة الانقراض.
لا تحزن ياصاحب المال ، هكذا الأيام دول ، يوم ليك ويوم عليك على رأى الراحلة ذكرى، وهكذا حدث للراديو والكتاب ووابور الجاز ، يأتي الجديد فيطيح القديم من عرشه . والشاطر الذي يقلب عيشه ، ويبحث عن الأشياء التي يبحث عنها الناس .
بعد ثورة الإنترنت ، ووجود أغاني على يوتيوب حققت مشاهدات بالمليارات ، لا يمكن للتلفزيون أن يستمر ، وإن استمر ستتقلص نسب المشاهدة فيه إلى أقل القليل ، والدول الأجنبية التي لازالت تتمسك بوهم "الإعلام الموجه"، وتنفق الملايين لتأسيس الإعلام المسلط على رقاب الشعوب ،"نقبها طلع على شونة".
لم يعد التلفزيون وسيلة الترفيه الوحيدة التي تجمع العائلة، بعدما قدمت التقنية مغريات كثيرة أصدق وأروع وببلاش، .. لم يعد صندوق الدنيا الذي كنا نرى فيه صغارا الأشياء المدهشة، لم يعد وسيلة لترويج سلعة ، من يقدم إعلانه في التلفزيون اليوم ـ بلا مؤاخذة ـ حمار .
أخذ الإنترنت بإمكاناته الرهيبة الجزء الأكبر من الكعكة ، ولم يترك لكم إلا الفتات ، فقد قدم الانتشار الواسع في كل بقعة على الأرض ، والحرية التي لم يعرفها البشر يوما، إضافة إلى وسائل كثيرة للتأثير مثل التفاعل والتحديث والمشاركة والتي جعلت الإنسان شريكا في صناعة المستقبل، وفي مجال التسويق والإعلان قدم الإنترنت لأول مرة الإعلان التفاعلي ، وقياس حجم التأثير والمشاهدة ، بل أفاض في مصداقيته وكرمه ، وقرر أن لا يحاسبك إلا على النقرات .
فشلت تجربة التلفزيون العربية فشلا ذريعا، وفشل العرب في الاعلام المرئي كما فشلوا في مجالات عدة ، فعلى مر نصف قرن لم نرى برنامجا مثل برنامج لاري كينج ، أو أوبرا وينفري ، أو دكتور فيل يقدم الصحافة التلفزيونية الواقعية التي تجذب الناس وتخدم الناس وترفع من وعي الناس، لم نرى الاعلام التلفزيوني الجريء الذي ينحاز للمشاهد فقط ، فكل ما رأيناه سيل من البرامج التافهة التي تعتمد على الفن والفنانين ، وتطبل للحكام، وتعمل بجد ودهاء على تسطيح عقل المشاهد .
حتى عندما تحرر التلفزيون من قبضة السلطة ، دخل عصر التجارة والبزنس، وهو ما قضى على الطاقة القليلة الباقية القادرة على إضاءة المصباح، ووقع التلفزيون العربي في قبضة مجموعة من رجال الأعمال كل رجل أعمال له غرض ، وبضاعة يرغب في تسويقها ، لا يهم إن كانت البضاعة رديئة أو منتهية الصلاحية ، كل دولة لها أجندة محددة تعمل من خلالها، فخرج المشاهد العربي من السجن الحكومي إلى سجن القطاع الخاص.
لا ننكر وجود برامج تلفزيونية خالدة في مجال الثقافة والفكر والسياسة والترفيه ومحو الأمية ، خاصة في الستينات ، ولكنها تظل قطرة ماء في ظل طوفان هادر من القبح والاستلاب والتفاهة والبرامج الموجهة التي تستحمر المشاهد، وتتعامل معه كذوي الاحتاجات الخاصة .
لا ننكر وجود برامج عديدة مسلية أنفقت عليها القنوات الخاصة الملايين، تبسطك وتسليك ، ولكنها تأخذ في الوقت نفسه خلسة وعيك وهويتك .
ربما غياب الديمقراطية السبب ، إذ أن الحرية في الأساس قرينة الإبداع، وربما السبب هيمنة السلطات العربية على الاعلام ، فالروتين الحكومي مقبرة الكفاءات، وربما السبب هيمنة رجال الأعمال على الاعلام العربي وبروز ما يسمى "إعلام رجال الأعمال" ، فالاعلام الحقيقي رسالة لا تعرف لغة المال، .. المهم المحصلة كانت صفر ، وكانت تجربة التلفزيون العربي فاشلة.
تاريخ الإضافة: 2017-07-24تعليق: 0عدد المشاهدات :1367