منذ أكثر من 25 عاما ظهر شاب مصري "لا أتذكر اسمه " وكون جمعية للصحفيين أسماها "جمعية الصحفيين المستقلين" واستأجر لها شقة في دور علوي في عمارة في منطقة "أحمد حلمي" والتي كانت خلف محطة السكة الحديد في القاهرة ، وهي المنطقة التي كانت جزءا من تاريخ المسافرين، وكانت تختزل روح مصر من أدناها إلى أقصاها، ودهسها التطور الذي شهدته المنطقة.
واستقطبت الجمعية حينئذ أعدادا كبيرة من هواة الصحفيين، خاصة وأن نقابة الصحفيين المصريين كانت ـ ولازالت ـ تضع شروطا تعجيزية للعضوية ، وهو ما جعل جزءا كبيرا من ممارسي العمل الصحفي خارج العمل النقابي.
أتذكر أنني قمت بزيارة مقر الجمعية وأنا في بداية طريقي الصحفي ، استقبلني يومها شاب عند باب العمارة التي كان يتم إغلاقها بجنزير ولا أدري السبب، وكانت الجمعية تصدر كارنيهات عضوية عليها عبارة "جمعية الصحفيين المستقلين" ، .. لم أجد يومها أحدا بالجمعية الغريبة الوليدة، فغادرت ، وكانت المرة الأولى والأخيرة التي أزور فيها مقر الجمعية .
بعد ذلك تنامت إلى مسامعي أخبار عن مؤسس الجمعية لا أدري حقيقتها ، فمرة علمت أنه أقام دعوى أمام القضاء الإداري لتسجيل جمعيته ، وأنه نجح في ذلك، ولم يكتف بذلك ، ولكنه رفع دعوى طالب فيها باستلام نقابة الصحفيين المصريين ، باعتبار أن الصحافة يجب أن تكون مستقلة ، وجمعيته الجديدة هي جمعية للصحفيين المستقلين ، وعلمت ـ ولا أدري صحة ذلك ـ أن القضاء الإداري حكم له بذلك ، وبعد فترة متباعدة علمت أن مؤسس الجميعة دخل السجن ، ولا أدري السبب .
ورغم عدم امتلاكي معلومات مؤكدة عن صاحب الجمعية، ولا أهدافه، ولا الخطوات الفعلية التي قام بها ، والأحكام التي حصل عليها ، ولا سبب دخوله السجن ، أذكر هذه الواقعة لسببين ، الأول رغبتي في معرفة مصير هذا الصحفي الذي جابه نظام حسني مبارك المدعوم بالقوة والنفوذ والفساد، ورجاله مثل صفوت الشريف ، وذكريا عزمي وغيرهم ، وأعلن فكرة صادمة خارج الصندوق، ترفع لواء استقلال الصحافة، وهي الحاجة إلى تأسيس نقابة مستقلة للصحفيين، آملا ممن لديه معلومات عن هذا الشخص أن يبلغني ، لأن هذا الشخص مهما كانت دوافعه جدية أم استعراضية ، مشروعة أم لا، بطل مجهول ، ومافعله ـ شئنا أم أبيانا ـ جزء من تاريخ استقلال الصحافة.
السبب الثاني تذكير الأجيال الجديدة بأن معركة استقلال الصحافة معركة قديمة جدا لها فرسان ضحوا منذ البداية من أجل استقلال العمل الصحفي ، ففي كل عصر كان هناك دائما مناضلون يؤمنون بأن الصحافة صاحبة الجلالة كما أسماها أستاذي الراحل مصطفى أمين، وأنها يجب أن تكون مستقلة، وفي المقابل آخرون يعتبرون الصحافة مهنة، وسبوبة، يستأنسون بلاط السلطة وعطايها ، مستعدون لتقديم أي شيء وليس فقط الاستقلال من أجل المصالح والمناصب .
والأهم أن يعلم الجميع أن استقلال الصحافة قضية مهمة ومصيرية، قدم السابقون من أجلها الجهد والعرق والمواقف ، ودخل بعضهم بسببها السجون، وقدموا الثمن خالصا من أجل صحافة عربية مستقلة.
تاريخ الإضافة: 2018-01-13تعليق: 0عدد المشاهدات :1236