تأسيا بمارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك الذي يحدد كل عام تحديا معينا، ويعمل على تحقيقه، قررت أن يكون التحدي الشخصي لي هذا العام الإلمام بـ 29 لغة ، وذلك بعد أن بدأت في موقعي الشخصي مشروعا مجنونا وهو استحداث مواقع داخلية بأشهر لغات العالم، من الصينية إلى الروسية ، ومن البرتغالية إلى الهندية، ومن لغات بلاد تركب صواريخ الفضاء إلى بلاد تركب الحمير، ليكون أول موقع ينشر بـ 29 لغة عالمية.
فلا يصح أن تشرف على قسم دون أن تعرف لغته، وبحد أدنى تلم بهذه اللغة ، وقد فضلت تعبير "الإلمام باللغة" بدلا من تعلم اللغة، لأن تعلم هذا العدد من اللغات صعب إن لم يكن مستحيل، قد يتعلم المرء لغة ، أو اثنين أو ثلاثة ، ولكن أكثر أشك في ذلك .
الحل إذن الإلمام باللغة، أي الإحاطة بها ، وذلك يتحقق بمعرفة مفرداتها الأساسية ، القواعد العامة لها ، الجو التاريخي لنشأتها ، السمات الجمالية بها ، اللغة الصحفية.
منذ أن استهوتني فكرة أقسام اللغات، بدأت في تلمس هذه العوالم، وفوجئت أن على الإنترنت العديد من المواقع التي تكفل لك الإلمام باللغة ، بل وتعلمها إن أردت ، واستوقفني تأكيد أحدها أن حفظ 70 مفردة من اللغة يكفل لك التعرف على 90 % منها.
وفي موقع "يوتيوب" مئات من القنوات التي تعلمك اللغة بأساليب طريفة ومحببة، وأفضلها تلك التي تعتمد على التجارب الشخصية لطلاب ومبتعثين يقدمون لك خلاصة تجاربهم في تعلم اللغة، فقط قرر أنت واترك الباقي لهم .
خلال زيارتي للعاصمة التايوانية تايبيه، وأثناء وجودي في أحد المناطق احتجت إلى تغيير العملة، فحاولت أن أسأل بعض المارة عن بنك ، فهالني ماوجدته ، فقد فوجئت بجهل تام باللغة الإنجليزية ، كلما سألت أحدهم بالإنجليزية عن مكان بنك انتفض وغادر المكان مذعورا ، وكأنه يتعرض لسطو مسلح.
وفي أحد الأسواق التجارية الكبيرة في فرنسا سألتني مجموعة من الشباب الأتراك عن منتج معين ، ونظرا لأنهم لا يتحدثون الإنجليزية، فقد كان فهم ما يريدونه مستحيلا ، فلجأنا جميها الإشارات، وبالكاد تمكنت من معرفة ما يريدونه، وقلت في نفسي .. والله عيب في القرن العشرين أن يتفاهم الناس بلغة الإشارة.
80 % من شعوب العالم لا تعرف إلا لغتها الرسمية ، ورغم أن الإنجليزية لغة التواصل العالمية، إلا أن معظم الشعوب لا تعرفها ، ومن هنا كانت المعضلة.
ربما ذلك الذي دفعتني إلى بدء مشروع أقسام اللغات بموقعي الشخصي، رغم الصعوبات الكبيرة التي تواجه هذه المهمة التي لم يقبل عليها أحد من قبل .
ورغم أن العالم تأخر كثيرا في تكنولوجيا الترجمة، إلا أن هناك خطوات جديدة مبشرة، ومن بينها مبادرة موقع فيسبوك لاستحداث خوارزمية جيدة للترجمة تحقق نتائج أفضل 90 مرة من مواقع الترجمة الألكترونية الحالية، مثل ترجمة جوججل، تعتمد على الترجمة الجديدة على ترجمة الكلمة بالنظر إلى الكلمات المحيطة بها، وليس ترجمة الكلمة فقط، وهو ما سيوفر ترجمة أدق بكثير من الترجمات الحالية .
الإلمام باللغات هو التحدي الشخصي 2018، وآمل أن يكون تحدى الكثيرين ، بل يكون تحدي العالم، لأن تعلم لغة جديدة بمثابة شعلة جديدة للنور والمعرفة والحرية.