هل تكون ثورة 30 يونيو الثورة الأخيرة؟، أم أن هناك ثورات مقبلة؟، هل سيرسخ عزل مرسي الرئيس المنتخب قاعدة مصرية جديدة، وهي الثورة على أي رئيس مقبل مهما كانت الأسباب؟ ـ كما يعتقد البعض ـ .. وهل سيكمل الرئيس المقبل مدته ؟، أم سنخرج عليه هو الآخر، وبذلك لن "يعيش لنا رئيس"؟.
هل سيتعلم الرئيس المقبل الدرس، ويتقي ربنا، ويمشى "صح"؟ . أم ستخدعه الأضواء كما خدعت السابق، و"يلعب بديله" كما يقول التعبير الشعبي؟. المنطق يقول أنه سيتعلم هذه المرة، ولكن الواقع يقول شيئا آخر ، فأول رئيس منتخب لم يعي الدرس، رأى مبارك بأم عينيه في السجن، وشاهد الشهداء والمصابين، ولكنه لم يتعظ، فارتكب في سنة واحدة ما ارتكبه سلفه في 30 سنة.
قبل أن نبدأ، علينا أولا أن نقر بحقيقة تاريخية، وهي أن الشعب الذي خرج في 25 يناير 2011، وأسقط مبارك ، وخرج في 30 يونيو 2013، وأسقط مرسي قادر على إسقاط أي رئيس لا يقر العدل في ربوع البلاد، يقول الملك محمد منير "والله لأغير فيكي لحد ماترضي عليه".
علينا أن نقر بـ "الديمقراطية الجديدة" التي وضعها المصريون ، والتي تنص على أن الشرعية ليست فقط شرعية الصندوق، ولكنها شرعية الشعب، والصندوق ـ رغم الشكوك العديدة التي أحاطت بالانتخابات الرئاسية الأولى في مصر ـ ليست مبررا للحاكم أن "يصعد فوق الهرم الأكبر ويدلدل رجليه" وفقا لتعبير الراحل نجيب سرور .
الشرعية يجب أن تكون مشروطة بالحفاظ على القانون والدستور لا القفز عليهما في أقرب فرصة، الشرعية أن يكون ولاؤك للوطن . لا لحماس، وقطر، وتنظيم عالمي له أهداف غير وطنية. الشرعية ـ مع احترامي لها ـ تنتهي في اللحظة التالية لاختراق الرئيس القانون .
ولكن إلى متى سنظل نشعل الثورات، ونفرط في دماء الشهداء، و"نفرج علينا العالم"؟، ومتى نبني الوطن ليعوض مافاته من تطور حضاري؟ .
بالطبع لسنا من هواة الثورات، لسنا شعب ليس وراءه "شغلة ولا مشغلة"، فعلى الرغم من أن قيام شعب بثورتين في عامين معجزة، تؤكد أن هذا الشعب "جبار" إلا أنني أعتقد أننا جميعا بحاجة إلى الراحة. بحاجة إلى العمل والبناء .
من المؤكد أن هناك أسباب دفعت الشعب إلى الثورة في 25 يناير، وهي نفسها الأسباب التي دفعت نفس الشعب للثورة في 30 يونيو، فماهي الضمانات التي تمنع الأسباب التي من أجلها تثور الشعوب؟، ماهي الضمانات التي تمنع الظلم، والفساد، والدكتاتورية، والولاء لغير الوطن؟.
كان من الممكن أن نتلافى ثورة 30 يونيو لو أعددنا الدستور أولا، ولكن تجار الدين دفعونا دفعنا كالقطيع إلى الخيار المر، فكانت التعديلات الدستورية التي أعدها الإخواني البشري بابا للجحيم، وانبرى شيوخ الفتنة وقتها ليصورا للشعب أن التصويت بـ "نعم" عليها نصرة لله ورسوله، وصوروا الأمر على أنها حرب بين فسطاطين الاسلام والكفر، حتى أن بعض الشيوخ سموها بـ "غزوة الصناديق"، وبدأت بذلك المتاهة التي مازلنا ندور بها حتى الآن .
وكانت النتيجة تنظيم الانتخابات بلا دستور ، وجاء لنا الرئيس المنتخب وجماعته ليلعبوا في رأس مصر، ففرضوا تشكيلا لجمعية لكتابة الدستور يسيطر عليها أتباعهم وأنصارهم، وفرضوا على الشعب دستورا لم يشارك فيه معظم فئاته . ليس ذلك فقط، ولكن وضعوا فيه مايريدون لإحكام السيطرة على مفاصل الوطن.
كان من الممكن أن نتلافى ثورة 30 يونيو لو وضع دستور حقيقي شارك فيه كل فئات المجتمع. لو تضمن الدستور خطوات واضحة لمحاكمة الرئيس في حال انحرافه عن المسار القانوني أو الدستوري لتمكنا بسهولة من محاكمة مرسي ، دون الحاجة للثورة عليه، ولكن المجرمون الذين أعدوا الدستور الإخواني جعلوا من محاكمة الرئيس شبه مستحيلة. خاصة بعد أن سيطر الإخوان على مجلسي الشعب، والشورى، ثم منصب النائب العام، وبدأوا في مخطط "الأخونة".
يجب أن نعي الدرس، وأن نضع الدستور أولا، وأن يشارك في إعداده جميع فئات المجتمع، وأن تعده نخبة واعية خبيرة بإعداد الدساتير، يجب أن تضع مصر دستورا يواكب العالم الجديد، وأن يتضمن خطوات واضحة لمحاكمة الرئيس في حال الخطأ. عندها سيكون من السهل عزله بطريقة دستورية . كما يعزل الموظف الفاسد في مصلحة حكومية.
الرئيس في الدستور الجديد يجب أن يكون موظفا عاما كأي موظف، له حقوق وعليه واجبات، وإذا حاد عن هذه الواجبات تتم محاكمته أمام المحكمة الدستولارية العليا، وإذا أدين يعزل ويعاقب كأي مواطن عادي. بذلك فقط تكون 30 يونيو الثورة الأخيرة، ونتفرغ جميعا لأعظم مهمة وهي البناء.