إذا قارنت بين الشخصية المصرية في الستينات والشخصية المصرية الآن ستكتشف بدون جهد أن الهوية المصرية تغيرت، ليس فقط تغيرت، ولكنها تعرضت لشيء يشبه التدمير والانهيار .
قاهرة الخمسينيات التي وثقتها أفلام الأبيض والأسود والتي كانت لا تختلف عن أي دولة أوروبية ، حيث الشوارع النظيفة، والأزياء المهندمة، والإتيكيت في التعامل، أصبحت الآن نموذجا للتلوث البصري والواقعي، والأزياء المصرية الراقية التي كانت تستلهم الموضات الأوروبية والتي كانت سائدة بغض النظر عن الفقر والغنى أصبحت كما نرى في الشارع المصري خليطا من الملابس العشوائية .
ما أعرفه أن الشخصية تتطور، ويكون هذا التطور للأفضل والأحسن، ولكن إنتكاس الشخصية بهذا الشكل وبهذه السرعة، يضع أكثر من علامة تعجب ؟!.
الملابس المصرية وحدها يمكن أن تعطيك تصورا عن التغير الكبير الذي حدث ، فبعد أن كانت الفتاة في الطبقة المتوسطة كمثال في الخمسينات مكشوفة الشعر، ترتدي التايير الأنيق القصير مكشوف الكتفين "الكات" والجيبة البسيطة، أصبحت في القرن الواحد والعشرين ملفوفة مغطاة، بالحجاب مرة ، وبالنقاب مرة أخرى وبالإسدال مرة ثالثة، وأصبح اللون الأسود مسيطرا.
وبغض النظر عن مشروعية ذلك من عدمه، ورغم أن الزي يبقى حرية شخصية، فإنني أثبت فقط التغير الهائل الذي حدث في سنوات معدودة " 20 عاما فقط (1960 : 1980)"، وفي جيل واحد وليس حتى جيلين .
لا تحاول إقناعي بأن المصريين اكتشفوا فجأة الاسلام الصحيح ، وأنهم كانوا طول عقود على ضلال ، وتوصلوا إلى أن الزي الذي ترتديه المرة الآن هو الصواب؟، لا تحاول إقناعي أن ما حدث في زي المرأة تطور طبيعي يحدث في كل مناحي الحياة ، ومن بينها الأزياء ؟ ، خاصة مع ظهور فتاوى جديدة تنسف نظرية تغطية المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها.
البعض يرى أن الانهيار الاقتصادي السبب، وهو رأى لا أميل إليه، ففي الستينات كان هناك مايمكن أن نسميه "الفقر الأنيق" ، حيث الحالة الاجتماعية لا تؤثر على أسلوب الحياة المنظم والمرتب في كل شيء ، بدءا من الملابس ومرورا بالمواصلات العامة، وانتهاء بأسلوب المعيشة.
التغير الكبير في فترة زمنية قليلة يثير الشك، ويعزز ذلك أن الشخصية المصرية حافظت لقرون على سماتها الأساسية ، ولم تنجح الموجات الاستعمارية في تغيير هذه الشخصية أو التأثير عليها، وفي الوقت الذي تأثر المغاربة "تونس والجزائر والمغرب" بالاستعمار لدرجة أنهم أتقنوا اللغة الفرنسية، خرج الشعب المصري من الحقبة الاستعمارية وهو لا يعرف كلمة واحدة أنجليزية أو فرنسية .
كانت مصر دائما تتباهى بأنها مقبرة الغزاة ، وأنها تهضم الثقافات المختلفة وتحافظ على هويتها التاريخية، فماذا حدث إذن، وما سبب هذا الإنهيار السريع ، وهل كان ذلك صدفة أم مدبرا ؟.
لن أسبق الأحداث وأتساءل عن الأسباب، أو أدخل في فخ المشروع وغير المشروع، ولكني فقط أثبت الانهيار الكبير الذي حدث والذي يستلزم ليس فقط دراسة اجتماعية، ولكن عمل استخباراتي لأن انهيار الشخصية المصرية بهذا الشكل يؤثر على الأمن القومي للبلاد.