الشاعر الأمير كمال فرج فى حواره مع "الرأى": الشعر تراجع بسبب الهجوم المادي ولكن..
أجرى الحوار: طلعت طه.
أنت أمام الشاعر الأمير كمال فرج، ليس سهلا ان نتحاور معه لامتلاكه مفردات وأدوات اللغة العربية بتمكن، خاصة أنه محترف في عالم الصحافة والمقال والشعر والفنون. الصدمة ان الأمير يجذبك بسهولة الي عالمه الأدبي وكأنك التقيته منذ زمن بعيد. الامير الذي ظل يكتب الشعر والمقال ويمتهن الصحافه بدأ معنا الحوار ..
* أصبح الشعر مجرد وهم وكلام لافائدة منه علي أرض الواقع في ظل الوجع والوهن والاضطراب الذي نعانيه في الوطن، فكيف ترى مستقبل القصيدة؟
ـ الشعر تراجع في ظل الهجمة المادية والتقنية، وكذلك حدث لكل الفنون التعبيرية ، وأيضا القيم ، ومستقبل القصيدة هو مستقبل كل الأشياء الجميلة في حياتنا ، غريب وغامض ، ولكن لن تموت القصيدة ، فقد شهد الشعر العربي عصور ازدهار وعصور انحطاط ، وتراجع القصيدة الآن مرحلي ، والأمل كل الأمل أن يدرك الناس قيمة القصيدة والقيم والرفيعة التي تمثلها فيعودون إليها عودة الظمآن إلى النهر العذب، وآمل أن لا يطول انتظارنا لذلك .
* لم يعد الوطن أو المرأة والحب محور حياه الشعر وتم استبداله بالتمني بعد نحصل فيه علي لقمه عيش كيف ترصد تجربتك الشعريه الخاصه؟
ـ لكل زمن قضاياه، فالقضايا التي شغلتنا كشعراء تختلف عن تلك التي تشغل شعراء اليوم، وهذا شيء طبيعي ، فالظروف الاقتصادية أصبحت أكثر تأزما ، وانشغل الناس أكثر بالعمل والركض من أجل لقمة العيش، لا شك أن هذه التحديات كانت موجودة في جيلنا، ولكن الآن اصبحت أكثر حدة، في عصرنا كان لدينا كشعراء الوقت لكتابة الغزل ومشاعر الحب والشوق ، اليوم تراجع كل ذلك ، وانصرف الشعراء إلى قضايا أخرى اكثر إلحاحا مثل قضايا الوطن والتأمل والوصف والوجود والأمل والحياة، والتحول لم يكن فقط في نطاق الشعر ، بل أن كثيرون وجدوا في الرواية متنفسا أكثر رحابة للوصف والتعبير .
* ولماذا تم محاربتك وتشبيهك بنزار ودرويش؟
ـ النزارية أوالدرويشية تهمة لم ينج منها شاعر، ومثل هذه الاتهامات سخيفة تؤكد السطحية التي يتعامل بها البعض مع الشعر والشعراء، لقد مثل نزار قباني مدرسة شعرية ، وكذلك فعل محمود درويش، ومع تمسكي بفرادة التجربة، وأهمية أن يكون لكل شاعر تجربته الخاصة ، لا بأس أن يكون لدينا أكثر من محمود درويش وأكثر من نزار.
أكرر هذه الاتهامات سخيفة تتجاهل قضايا النقد الحقيقية، ومع تراجع القراء وانصراف الناس عن الشعر أصبحنا نحلم بوجود شعراء جدد حتى ولو ظهروا في جلباب نزار أو محمود درويش أو غيرهما .
* ألست معي ان الشاعر النجم تختفي من الوطن العربي بعد نزار ودرويش وأمل دنقل؟
ـ الشاعر النجم كان موجودا قبل فترة قليلة، وتمثل في أسماء مثل فاروق شوشة رحمه الله، وفاروق جويدة، ولكنه اختفى الآن على المستوى الرسمي والثقافي ، وذلك بسبب تجاهل المؤسسات الثقافية والاعلامية للشاعر، والقصيدة.
وإشكالية الأدب والنجومية قديمة ، فعلى مر التاريخ حصد الأدباء القيمة وخسروا النجومية، بل أن الإبداع ارتبط طويلا بالفقر والعوز، ولذلك اعتبارات مختلفة.
ولكن ما يمهمني أكثر هو القيمة ، وأعتقد أن قيمة الشاعر على المستوى الشعبي باقية ، فلازال الناس يحترمون الشاعر والمثقف وينصتون احتراما للقصيدة.
* الشعر هو صوت الوطن، فهل الوطن له صوت؟
ـ القصيدة صوت للناس والمستقبل بل الجماد، والشاعر هو صوت الوطن، إذا نظرت حولك ستكتشف أن الكثيرين يتحدثون نيابة عن الوطن الإعلامي ومقدم البرامج والصحفي والكاتب والسياسي ، ولكن الشاعر هو الأصدق في البوح والتعبير عن الوطن وقضاياه.
* المرأة مازالت محور حياه لديك كيف تري ذلك؟
ـ المرأة هي الوطن والاحتواء والأمومة والرحمة والحب، والحالة الاجتماعية الأشمل والأعم في الحياة، المرأة هي أحد أسرار الحياة ، والخلق والميلاد، لذلك ليس غريبا أن تكون محور القصيدة.
* تكتب المقال والشعر منذ ثلاثين عاما والآن فيمَ أخفقت وماذا تتمني؟
ـ المقال فن تعبيري مهم ، إذا كانت القصيدة لها جمهورها الخاص ، فإن المقال صاحب الجمهور الأوسع والأشمل ، وهو ثمرة من ثمرات الصحافة ، ومنذ البداية وأنا أكتب المقال ، والمقال الحقيقي لدي هو "فكرة خلاقة أو فكرة شائعة معبر عنها بأسلوب خلاق". وعندما أكتب المقال لا أكتب المقال الصحفي ذا العمر القصير ، ولكن أكتب المقال الذي يعيش ، ويمكنك قراءته والتفاعل معه حتى بعد سنوات من قراءته ، ومنذ فترة احتفلت بتحاوز المقال رقم 1000 ، وأتمنى أن تكون هذه المقالات قيمة مضافة للوعي والتفكير في هذه الحقبة من الزمن، وأن تعيش لتؤثر في أجيال مقبلة.
* رحب بك كبار الشعراء والكتاب والصحفيين وفتحوا لك نافذة الإبداع، ماذا قدمت إذن لمن يريد الابداع من الشباب؟
ـ الإبداع عملية تواصل، فلايمكن أن تبدع لنفسك ، فالإبداع لا يكون إبداع إلا إذا وصل إلى الناس ، وكذلك الأمر على المستوى الأفقي الإبداع حركة تنوير متنقلة تنتقل من شخص إلى آخر ، من هنا كانت أهمية تواصل الأجيال ، كل جيل يسلم الراية إلى الجيل الذي يليه . الإبداع تعلم وتأثر وتأثير وتواصل من جيل إلى آخر ، لذلك على المبدع الحقيقي أن يقدم رسالته ويضع بصمته ليس فقط على صعيد الكتابة والإبداع ، ولكن أن ينقل أيضا هذه الرسالة إلى أجيال جديدة.
* هل اصرارك علي الكتابة عن الوطن لأنك تسكن خارجه منذ زمن؟
ـ بالنسبة لنا كمصريين الوطن قضية كبرى، والإغتراب بمثابة وضع الملح على الجرح ، يضيف لتجربة الشاعر أبعادا جديدة ، وإذا كانت التغريبة المصرية ـ وأعنى بها حقبة سفر المصريين للخارج بحثا عن لقمة العيش ـ أثرت على أجيال متعددة، وكان التأثير اجتماعي واقتصادي ونفسي، فإن تأثيرها على المبدعين كانت أكبر.
* لماذا لم يتم تقديم دراسة الدكتوراة عن أدب الأمير كمال فرج من أحد الدارسين؟.
ـ لست ممن يسعون إلى المناصب أو الجوائز أو الشهادات الفخرية ولا الرسائل الجامعية ، هاجسي الحقيقي أن أقدم قيمة حقيقية في هذا الزمن ، وإن كنت لا أمانع في أن يتصدى أحد الباحثين لدراسة أعمالي وتقديمها في أي شكل بحثي أو تعليمي.
* مَن مِن الأجيال قدم لك المتعة في القراءة، وما هو تقييمك لهذا الجيل؟
ـ أشياء كثيرة تراجعت، وقيم كثيرة تخلفت، ولكن الإبداع الأدبي تقدم، وهذا شيء طبيعي ، فكلما زادت التحديات ارتفع الإلهام والابداع واحتدمت التجربة الأدبية الخلاقة، لذلك نعول الكثير على هذا الجيل لإعادة صياغة وجه الوطن الثقافي والحضاري لتعود مصر في طليعة الأمم.
تاريخ الإضافة: 2018-08-20تعليق: 0عدد المشاهدات :1817