أصدر مفتي الإرهاب القطري يوسف "القرضاوي" منذ أيام فتوى بأن الخروج في مظاهرات 30 يونيو ضد الرئيس مرسي "حرام" .. ، وبعده بساعات أعلن عبدالرحمن "القرضاوي" في برنامج "زي الشمس" الذي تقدمه دينا عبدالرحمن أنه سينزل يوم 30 يونيو، وبذلك يواجه الإبن أبيه.
وهذا ليس الموقف الأول للابن الذي كان عضوا في الجمعية الوطنية للتغيير، .. وأعلن عن تخليه عن جنسيته القطرية التي وضعته في موضع اتهام، كما أعلن أكثر من مرة رفضه لمرسي، وتأكيده أنه رئيس معزول عن شعبه.
مع تقديري لعبدالرحمن الشاعر، ومواقفه الأخيرة المنحازة لجيله من شباب الثورة، والتي خرج فيها عن جلباب والده المتهم بإطلاق الفتاوى السياسية الموجهة التي تسببت في قتل مئات الآلاف من المسلمين الآمنين في سوريا، وليبيا، وأخيرا "مصر", فإن التناقض بين الأب وابنه يؤكد إشكالية الاسلام السياسي، ويؤكد أيضا الأزمة بين جيلين، ويشير إلى نوع جديد من الخلافات الأسرية استحدثته ثورات الربيع العربي، بعد أن فرقت السياسة بين المرء وأهله.
منذ سنوات كان أحد الدعاة يدعو للجهاد، وقد تأثر بدعواه الكثيرون، ولكنه لم يتخيل يوما أن يكون ابنه أحد المتأثرين بدعوته، حيث فوجأ ذات يوم برسالة من ابنه يقول فيها "موعدنا الجنة بإذن الله.. سأسافر إلى العراق للجهاد"، فاستنجد الأب بالشرطة لكي تمنع ابنه من السفر.
الأب الذي اهتزت مشاعره خوفا وهلعا على ابنه ، لم يتصور خوف وهلع آلاف من الآباء الذين فجعوا في أبنائهم الذين تأثروا بفتواه، وتركوا مدارسهم، وجامعاتهم، وأهاليهم لكي يسافروا للعراق، ويفجرون أجسادهم بحثا عن الجهاد المزعوم.
منذ أيام أثارت صورة شيخ سعودي وهو يرتدي الكاجوال في لندن، متحدثا مع إحدى الفتيات حفيظة أعضاء مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة "فيس بوك"، و"تويتر"، لأن هذه الصورة ظهرت بعد أيام قليلة من دعوته "المجلجلة" في القاهرة التي دعا فيها الشباب بالجهاد في سوريا.
وانتقد الكثيرون "الشيخ" الذي حرض بدعوته آلاف الشباب للذهاب للموت في سوريا تحت شعار "الجهاد" الكاذب، وذهب هو ليجاهد في "لندن"، وبرز على السطح سؤال منطقي مهم، وهو : لماذا لا يرسل هؤلاء الشيوخ أبنائهم للجهاد..
الشيوخ الذين يتاجرون بالدين يرسلون أبناءهم للدراسة في أوروبا، بينما يرسلون أبناء البسطاء للموت مجانا في العراق وأفغانستان وغيرها من مناطق الصراع في العالم.
هذه المواقف المتناقضة لم تفقد فقط الناس ثقتهم في الدين، ولكنها تسلط الضوء مجددا على إشكالية العصر، وهي التعامل مع الاسلام كشكل فقط، بأن نقدم في العلن سيء، وفي الباطن ننفذ شيء آخر . وهي أكبر أزمة واجهت الاسلام في العقود العشر الأخيرة.
ولا أدري هل هي أزمة أخلاقية؟، أم أزمة فهم لتعاليم الدين ووصاياه؟، أم أن الأزمة في علماء الأمة الذين تراجعوا عن أداء دورهم عن تقديم الدين الصحيح ، وتركوا المسلمين فريسة لأنماط وافدة من دعاة الفضائيات، والأنظمة الذين يعملون وفقا لمنطق رب النعمة، وليس رب الكون؟.
ومع تقديري للحياة الخاصة، فإن حب الاستطلاع يجعلني أتساءل عن موقف القرضاوي من ابنه الذي وقف ضده، ففي الوقت الذي وقف "الأب" الزعيم الروحي للإخوان مع "أتباعه"، وقف "الإبن" في المعسكر المقابل مهاجما "الإخوان"، ورئيسهم، مؤكدا بأشد وأوضح العبارات أنهم "لا يصلحون للرئاسة"، لأنهم "لم يعرفوا إلا العمل السري".
وبعد أن انقلب السحر على الساحر، لا أدري هل سيعتبر القرضاوى الأمر نوع من الديمقراطية المنزلية؟، أم يصدر فتوى جديدة خاصة بابنه؟، هل سيستشهد بالآية التي تقول "ولا تقل لهما أف، ولا تنهرهما وقل لها قولا كريما"؟ .. هل ياترى سيفسر الآية على هواه، ويمنع الابن من معارضة أبيه .. ويضع لنا قاعدة فقهية جديدة هي "إذا أيد الأب الإخوان يجب على الابن أن ينصاع لذلك، ويؤيد الإخوان" تجنبا للانهيار الأسري؟ وحتى لا نفت في عضد الأمة؟.
هل ياترى سيطبق عليه منطق السمع والطاعة الذي يضحكون به على الشعوب ، ويبررون به الدكتاتورية، والجلوس على الكراسي للأبد؟، ويعتبر اعتناق الابن لرأي مغاير لأبيه عقوقا و"حراما" وخروجا على طاعة الأب الواجبة؟.
لا أريد أن أحمل عبدالرحمن فوق طاقته، وأطالبه بدعوة أبيه إلى التوقف عن فتاواه الموجهة، وأن يذكره بعظم الفتوى، والعقاب الذي وضعه الله تعالى ضد من يتقولون على الله كذبا، لأنني بذلك سأتدخل في أسرار البيوت.
أصبحت "الفتوى" في هذا العصر وسيلة لتحقيق أهداف سياسية، و"أكل عيش"، وطريقة لتصفية الحسابات والخصوم، وتحول "المفتى" من منصب له قيمته في المجتمع المسلم إلى بوق في يد نظام هنا أو هناك .
ولكن الجيد هنا هو هذا الانتقام الإلهي الذي حدث، عندما أثر أحدهم بفتواه في ابنه فسافر للجهاد، وعندما أفتى آخر بحرمة الخروج على الحاكم، فاتضح أن ابنه أحدهم، تماما كمن حاول إشعال النار فاشتعلت في ثوبه.