متى نشأ الغناء ؟، وكيف، وما الغرض منه ؟، هل التسلية أم اللهو أم الاستمتاع بتجربة أخرى والتفاعل معها ؟، نفس الأمر ينطبق على المسلسلات والأفلام، ماهو المحرك الأساسي الذي يدفع المرء إلى رؤية فيلم أو مسرحية ، وماذا سيحدث لو ألغينا ذلك التقليد التاريخي ؟.

الناقد سيكتشف أن الاستماع إلى الأغاني ومشاهدة المسلسلات أو الأفلام تستهلك وقتا كبيرا في حياتنا، والغريب أن ذلك بلا جدوى، هناك من يرى أن لذلك دور في التثقيف والتعليم والتنوير وغيرها من الكلمات الثقيلة، ولكنك إذا توقفت برهة، وتأملت ستكتشف أن المحصلة لا شيء.

هناك أشياء كثيرة نفعلها في حياتنا ونعتقد أننا لا يمكن الاستغناء عنها، ولكن لو دققت ونظرت للأمر بموضوعية ستكتشف أنها عادات غبية مثل التدخين وقضم الأظافر، وتنظيف الأذن بمفتاح السيارة، والكعب العالي.

وليت الأمر يتوقف على المشاهدة ، فالبعض ينفعل ويصل إلى مستويات بعيدة من الإندماج والتأثر أو كما يقولون "السلطنة"، رغم أنه يعلم في قرارة نفسه أن المطرب أو الممثل كذاب، وأن فريقا ضخما من المصورين والمخرجين والفنيين اجتمعوا لتنفيذ مهمة واحدة وهي الضحك عليك. 

إقترب من الصورة وتأمل : مطربة تقف على المسرح وتغني .. ما جدوى ذلك ، هل تستمتع بالصوت الجميل أم القد الممشوق أم الكلمات الراقية ؟، هل في الأمر بعد جنسي مستتر؟، أم ترى أن الاستمتاع مصدره معايشة تجربة أخرى والانفصال عن الواقع لبعض الوقت وتلك لذة خاصة ؟.

إذا دققت في المشهد وتحررت من العادة التي تتحكم في معظم حياتك ، وحكمت العقل ستكتشف أن الصورة عبثية ، وأنك تتعرض لعملية نصب، وأن الحمار الوحيد في المكان هو أنت، لأن انتاج الأغاني والمسلسلات وأيضا الأفلام والحفلات الغنائية والفيديو كليب مجرد قطاع تجاري يكبر ويربح ويستفيد مستغلا وقتك ومشاعرك .

 سبب رواج الأمر الوكالة، فالمطرب يغني بدلا منك والممثل يمثل بدلا منك ، ولاعب الكرة يلعب بدلا منك، فإن كان الأمر كذلك . لماذا لاتغني أنت؟ ، وتمثل أنت؟، وتلعب الكره بنفسك؟ .

لا أطالب بإلغاء الغناء والتمثيل حتى لا يقذفني الناس بالطوب ويرمونني بالتشدد ، وأيضا لصعوبة الوقوف مع "العادة" التي تجذرت في سلوكيات البشر لآلاف السنين، وتتخذ أحيانا قوة الدين، ولكن كل ما أرجوه تقنين الحكاية، وحساب المكاسب والخسائر ، فهؤلاء يقدمون لنا مخدر التسلية والانفصال المؤقت اللذيذ عن الواقع، ويأخذون أشياء كثيرة أهمها الوقت .

 لا تهدر وقتك الثمين في الاستماع إلى أغنية أو قضاء الساعات في متابعة فيلم، أو مشاهدة مسلسل،  لا تهدر عمرك في مشاهدة ومراقبة تجارب الآخرين، واصنع تجربتك أنت .

ولو أخذتك الجلالة يوما وداهمتك حالة عاطفية معينة .. غنِّي ..، لا يهم إن كان صوتك جميلا أو أجشا ، فقط غني، دندن ، في العمل أو الشارع أو حتى الحمام ، صدقني ستستمتع .. ويكفي أن الحمار في هذه الحالة لن يكون أنت .