لاحظت مؤخرا بالقرب من المنزل صندوقا غريبا من الحديد، مثبتا بجنزير بعامود الإنارة مكتوب عليه "ضع الخبز الزائد" فاستغربت الأمر ، رغم أني رأيت من قبل أفكارا شبيهة لتقديم الغذاء للمحتاجين دون مقابل .
ولكن هذه المرة كان الأمر جديدا، فالملاحظة تحدد "الخبز"، بعد أيام لاحظت أن كميات الخبز الموضوعة في الصندوق تزداد ، وتبقى لفترات ، مما يؤدي إلى جفافها، فانتقدت في سري هذه الطريقة التي ستؤدي لاشك إلى فساد الخبز بدلا من أن يستفيد منه الناس .
بعد فترة وجدت عبارة أخرى على الصندوق تؤكد أن صاحب الفكرة يطور فكرته، تقول "ضع الخبز بدون أكياس" فازدادت حيرتي، لأن وضع الخبز بهذه الوضعية سيفسده، ولكن في منطقة أخرى وجدت صندوقا آخر، والعبارة المكتوبة عليه كانت أوضح وهي "سبيل لإطعام المواشي"، فالخبز إذن يستخدم في إطعام المواشي !!.
وبغض النظر عن مشروعية التصرف، أو مدى استحقاق أصحاب المواشي، لا يمكن إنكار أن الفكرة ـ رغم بساطتها ـ فكرة خارج الصندوق، فالكثير من العائلات تهدر كميات كبيرة من الخبز يوميا، ولاشك أن ذهاب هذه الكميات لإطعام المواشي أفضل من إلقائها في صناديق القمامة، حيث يمكن اعتبار ذلك التصرف وهو إطعام المواشي أحد النشاطات التي تصب في إعمار الأرض.
يعتقد البعض أن الابتكار يقتصر على العباقرة ، وأنه يحتاج جهدا ووقتا، كما يحتاج إلى الحصول على براءة اختراع من الجهات المختصة، والأهم أنه يحتاج إلى ممولين لتطبيق الفكرة في الواقع، بينما هو في الواقع لا يحتاج إلا لبعض التفكير، معظم الاختراعات العظيمة التي توصل إليها البشر جاءت ببعض التأمل والنظر والتفكير .
قرأنا كثيرا عن معاناة المخترعين، والإجراءات الصعبة التي يخضع لها المبتكر لتسجيل اختراعه، والإحصائيات المتدنية لبراءات الاختراع التي تصدر في العالم العربي، والبيروقراطية التي تكبل المبدعين . لذلك كان إعجابي بهذه الفكرة التي قفز صاحبها على كل العقبات وحول فكرته البسيطة إلى واقع .
معظم الاختراعات إنطلقت شرارتها من حاجات الناس ، فحاجة الناس إلى التنقل قادت إلى اختراع السيارة ، وحاجة الناس إلى الضوء قادت إلى اختراع الكهرباء ، وأخيرا إشكالية إطعام الدواب قادت إلى ابتكار صناديق التبرع بالخبز، وهذا ليس غريبا فالحاجة أم الاختراع.
في أحد المرات شاهدت رجلا يجمع الخبز من أحد الصناديق ، فوددت أن أستوقفه لأسأله عن الفكرة وعن الشخص الذي قام بابتكارها ، ولكني عزفت عن ذلك حتى لا يظن أن هذا نوعا من المساءلة .
أحلم بتنظيم مؤتمر للابتكار يكرم أصحاب الابتكارات البسيطة، ومنهم صاحب ابتكار جمع الخبز الزائد ليكون سبيلا للحيوانات، وأن يكون ذلك بداية للتوعية بأهمية التفكير وتشجيع الناس على الابتكار وخدمة المجتمع .