من حين لآخر تظهر بعض الأفكار والمشاريع الجميلة ، أفرح لحماس أصحابها وحرصهم على النجاح، ولكن للأسف سرعان ما تخبو هذه المشاريع الرنانة، وتتعثر بعد أيام أو شهور، والسبب النفس القصير.
دفعتني هذه الظاهرة للبحث، فوجدت أن هذه المشاريع توفر لها الدعم المادي والمعنوي، والكوادر البشرية ، وأخذت الفرصة كاملة، ولكنها خلت من مقوم أساسي وهو الدافع، بمعنى آخر الشغف .فرق شاسع بين الموظف الذي يعمل من أجل هدف وحيد وهو الراتب ، وآخر هدفه الأساسي أن يحقق شغفه الحقيقي، فرق جوهري بين الذي يعمل بـ "نفس"، وآخر لا يعمل بـ "نفس" وفقا للتعبير الشعبي، فرق مهول بين من يكره عمله، ويلعن اليوم الذي إلتحق به، ويتحين أول فرصة للتزويغ ، وبين من يحب عمله، ويذهب إليه كل يوم كمن يذهب للقاء حبيبته .
قواعد الإدارة صارمة، ناقشت كل شيء، ولكن أهملت الطاقة الخفية الموجودة في كل إنسان، وتحتاج فقط من يحركها وهي الإرادة، اهتمت بالحضور والإنصراف وطلب الإفادة والعقوبات الإدارية، وأغفلت المقوم الأساسي لنجاح الأعمال وهو الشغف .
أعظم الأعمال تلك التي آمن أصحابها أن النجاح لا يكمن في المال أو الإمكانات ، ولكن في المبدعين الخلاقين الذين يعملون بحب وإخلاص من أجل تقديم قيم حقيقية .الشغف هو الذي يمنح الإنسان الطاقة الأسطورية للعمل والجد والاجتهاد ، والعشق هو الذي يدفع العاشق لسهر الليالي وهو يناجي محبوبته ، ويسعى جاهدا للوصل واللقاء.
الأعمال العظيمة تحتاج إلى عامل مهم وهو الإيمان ، الإيمان بقيمة الفكرة ، والتغيير الهائل الذي ستحدثه في الحياة والمجتمع ، .. لا يكفي أن نحلم، ولكن يجب أن نتسلح بالثقة في تحقيق الحلم ، والعمل والعناد والإصرار على تحويله إلى واقع ، .. كثيرون يقدمون أفكارا عظيمة ، ويصيبهم الملل، والروتين اليومي ، والتعب، فيسقطون بعد دقائق من انطلاق السباق.
قد يكون هؤلاء معذورون، فتتعثر مشاريعهم لأسباب شخصية مثل المرض أو البحث عن لقمة العيش، أو المعوقات الإدارية، وقد يكون السبب قاهرا كالموت ، ولكن حتى الموت لا يجب أن يكون مبررا لتوقف الأفكار العظيمة التي يمكن أن تخدم الناس ، وتضيء المشاعل في المدن المعتمة.
هناك المئات من الأفكار والمشاريع التي انطلقت ونمت وتطورت وأفادت الناس ، ولكنها توقفت وأصبحت جزءا من الأطلال، ومنها موقع "جهة الشعر" الذي أطلقه الشاعر قاسم حداد ، وتوقف بعد 20 عاما من الإبداع.
أقترح إنشاء جهاز باسم "النفس الطويل" يقوم باستكمال الأفكار والمشاريع العظيمة التي تعثرت، وذلك بتقديم منح شبيهة بمنح التفرغ التي يقدمها المجلس الأعلى للثقافة في مصر للمبدعين، بهدف التشجيع على الإبداع.
عندما يسقط المشعل من يد أحد الفرسان، يتجمع الناس ويحوقلوا ويتأسفوا ثم يذهب كل منهم في حال سبيله، .. يجب أن تكون هناك عشرات الأيادي المستعدة لحمل المشاعل التي تسقط وتكملة المسيرة لخدمة الناس والمجتمع.