لم يعد مقبولا بعد ثورة 30 يونيو التي أطاح فيها الشعب المصري بأسطورة الإسلام السياسي، وأسقط جماعة "الإخوان"، أن يستمر "الأعوان" في العمل، ليس من المنطقي أن نترك الفلول الجدد يمارسون الشعوذة السياسية، ويخدعون البسطاء، ويحيكون المؤامرات للوصول إلى نفس الهدف .. "السلطة"، ويقفون مرة أخرى حجر عثرة في طريق الوطن.
ليس من المعقول أن نقطع رأس الأخطبوط، فتنمو أذرعته من جديد، ويتحول كل منها بمرور الوقت إلى رأس كبيرة، فتلتف الرؤوس علينا، وتعصرنا كما يعصر ثعبان أسطوري كبير فريسته.
ليس من المنطقي أن يقبل الشعب ـ بعد الخديعة الكبرى التي تعرض لها في تجربة الإخوان المريرة ـ أن يأتي أحدهم مرة أخرى، وينصب عليه مرة أخرى بنفس الحيلة.. حيلة الدين، "كأنك يا أبوزيد ماغزيت".
في عصر التقنية، والعلم، والاستنارة، والوعي لن نقبل أن يأتي لنا شخص معقد مريض نفسيا ليعلمنا ديننا من جديد، ويدعي أن الديمقراطية حرام، ويتهمنا بكل صفاقة بأننا "كفار".
نصيحتي لك .. إذا برز أحدهم ليتاجر مرة أخرى بالإسلام، ويدعي أنه يحمل صكوك الجنة، ويزعم أن نصرته نصرة للشريعة، وخسارته خسارة لها، اضربه على قفاه، إذا ظهر مرة أخرى دجال جديد ليكفِّر أحدا، قل له "كان غيرك أشطر" وبلغ عنه أقرب مركز شرطة بتهمة الاحتيال.
انتهى عهد الدجل الديني الذي كان يمارسه البعض مستغلين جهل البسطاء، وتعلم الشعب درس الديمقراطية الصعب، بعد عام عصيب عرفنا فيه الفرق بين "المسلم" و"المتأسلم"، و"الوطني" و"الانتهازي، و"الثائر" و"اللص".
بعد نجاح ثورة 30 يونيو، وسقوط فاشية "الإخوان" الدينية، ظهرت بعض الدعوات لفتح صفحة جديدة، وعدم إقصاء أي فصيل سياسي. بالطبع كلنا مع فتح صفحة جديدة، ومشاركة جميع التيارات السياسية في بناء الوطن، ولكن بعد أن نفذ "الإخوان وعيدهم، وأسقطوا غدرا وغيلة المئات من المصابين والشهداء. انتهى الأمر، وأصبح الحديث عن الشراكة عبثا. كيف تشارك قاتلا، ودمك مازال على يديه؟، كيف تصافح مجرما وخنجره في خاصرتك ؟.
بعد أن تمادى الإخوان في غيهم، واختاروا أن يكونوا في جبهة أعداء الوطن، يجب تنفيذ قرار حظر الجماعة، وتطبيق العزل السياسي على أعضائها، كما فعلنا مع فلول نظام مبارك، وحل حزب "الحرية والعدالة"، كما حللنا "الحزب الوطني".
الخطأ الفادح الذي ارتكبه المجلس العسكري في مرحلته "الانتقامية" أنه سمح بإنشاء أحزاب على أساس ديني، وهو ما يخالف قانون الأحزاب الذي يمنع ذلك . لذلك لابد من تصحيح الوضع، لنستظل جميعا براية "المواطنة"، مهما اختلفت الأديان، والمذاهب، والانتماءات.
آن الأوان لكي توفق الأحزاب التي تطلق على نفسها "إسلامية" أوضاعها، قبل أن يتعاظم خطرها، كما حدث مع شركات توظيف الأموال في الثمانينات، التي أضرت بالاقتصاد، وبعد أن انتشرت، وكثرت بلاغات النصب حولها، أفقنا أخيرا، وقررنا مواجهتها، وتم منحها مهلة لـ "توفيق الأوضاع".
إذا تركنا هذه الأحزاب، سيكون من حق المسيحيين أن ينشئوا أحزابا على مرجعية مسيحية، واليهود كذلك، وبالتالي نفتح الباب لأتباع كل دين وكل مذهب لتكون لهم أحزاب وفقا لمرجعياتهم الخاصة، وبذلك يتحول الوطن إلى مجموعات دينية متنافرة تتصارع من أجل السلطة.
"لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين"، ولكن البعض يريد لنا أن نلدغ مرة، واثنتين وثلاثة، وأن نضع أيدينا ـ بعبط ـ في كل الجحور.
لقد ارتكبت تيارات الإسلام السياسي في مصر والعالم العربي جريمة كبرى في حق الإسلام، فإذا قدرنا مسؤولية "التنظيم العالمي للإخوان المسلمين" عن 70% من التشويه الذي لحق بسمعة الإسلام في الغرب والشرق، فإن فلول هذا التيار يتحمل المسؤولية عن الـ 30 % المتبقية.
العمل الديني يختلف عن العمل الحزبي، فالدين رسالة ثابتة، بينما السياسة علم متغير تم استحداثه لإدارة الدول، وهو يخضع لأمور كثيرة كالعلوم، والاتفاقيات الثنائية، والمنظمات الدولية، والمواءمات السياسية، .. الإسلام علاقة بين العبد وربه، ليس فيه كهنة، أو أحبار، أو رجال دين، .. بينما السياسة علاقة بين الناس.
"الدين" معيار أخروي، ولكن في الدنيا المعيار هو "الكفاءة"، .. والله لو اجتمع الدين بالكفاءة لكان أفضل، ولكن ماذا لو لم يجتمعا؟، ستبقى "الكفاءة" هي المعيار العام الذي يجب تطبيقه لتنفيذ الأمر الإلهي بإعمار الأرض.
إن إقحام الدين في السياسة أساء للدين، وأفسد السياسة، وقد رأينا بأم أعيننا النتيجة الكارثية لمحاولة الخلط بينهما، والتي بدأها الإخوان.
فليظل "الدين" منهجا ومرجعا ثابتا قويا للأمة، ولتبقى "السياسة" كما هي ساحة مشرعة للاجتهاد، والجدل، والفكر الإنساني الذي يشارك به الجميع.