من المؤكد أن العالم بعد COVID-19 لن يكون كالعالم قبله ، فالوباء الذي أصاب 3.34 مليون مليون شخص وقتل 239 ألف حتى اللحظة وتسبب في حالة طواريء عالمية غير قواعد اللعبة، وفرض واقعا جديدا على الأرض.
لقد غير الفيروس التاجي تراتيب الأولويات في حياتنا، وصحح المعادلة المختلة، فوضع الصحة في أول القائمة ، وأعاد العمال الصحيون إلى مكانتهم الطبيعية في صدارة الركب.
رغم الدمار الذي تسبب فيه الفيروس القاتل، والملايين الذين فقدوا أحباءهم ، وووظائفهم ، وسبل عيشهم، والأزمة الصحية التي ستستمر ما بعد الفيروس، إلا أن للأمر محاسن وجوانب إيجابية .
أصبحت الكثير من الأشياء البراقة في حياتنا كالمال والشهرة والمنصب أشياء لاقيمة لها أمام الثروة المنسية وهي "الصحة"، تراجع السياسيون والفنانون ولاعبو الكرة ورجال الأعمال الذين تصدروا الشاشات وبرامج البث المباشر طويلا ، وأصبح العالم يتابع بانبهار هذا البطل، سوبرمان الذي خرج من بين الحشود لينقذ العالم من كارثة محققة، وهو العامل الصحي.
مهنة التمريض التي كان البعض ينظر إليها بدونية، أصبحت الآن مهنة تدعو للفخر، والإعجاب، والممرض المسحوق الذي يقضي يومه في رعاية المرضى ، ويعرض نفسه للعدوى، ويتلقى راتبا ضعيفا لا يوفر له المعيشة الكريمة أصبح هو الجندي الذي يقف في الخطوط الأولى من معركة البشر ضد الفيروس، ضد الموت .
من محاسن الفيروس التحسن الكبير الذي شهدته البيئة ، فقد أدى الحجر الجماعي في المنازل وسياسات الإغلاق التي اتبعتها معظم الدول لتقليل العدوى إلى تقليل التلوث بنسب كبيرة، حتى في الصين التي صاحبة أعلى معدل للتلوث تحسن الجو، وعادت المدن للظهور في الصور الجوية ، وتراجع السواد عن رئة العالم التي أصابها العطب بسبب ثقب الأوزون والإحتباس الحراري والتلوث، وعوادم السيارات.
فهل كنا بحاجة إلى هذه الصدمة الكبيرة ، وهذه الخسائر الفادحة لنصحح هذه المعادلات الاجتماعية والإنسانية والبيئية المختلة ؟.
رغم الألم ، أعلى الفيروس التاجي القيم ، وعزز الإبداع، وقدر الكفاءة، ورفع من قيم النظافة والتعاون والتآذر، وأكد لأول مرة عمليا أن العالم واحد ، عطسة واحدة يمكن أن تمرض الجميع . ولقاح واحد ينقذ الجميع، ونبه العالم إلى قضايا مهمة مثل البطالة والفقر والجوع ، وأعاد الرحمة للقلوب ليس فقط للإنسان ولكن للحيوان.
هذا ماحدث ، فماذا سيحدث في المستقبل؟ ، لاشك أن COVID-19 أعاد رسم المستقبل ، ستتغير العادات والتقاليد، والعلاقات الاجتماعية، ومكاتب العمل ، والمواصلات العامة، ومقاعد الطائرات ، وأساليب البيع والشراء، هناك قطاعات ستنهار ، وأخرى ستزدهر ، وثالثة جديدة ستظهر، ستتغير أساليب العمل والتعلم والتجارة والصحافة، حتى الحب ستتغير معطياته وأساليبه .
فماذا سنفعل والأرض تتحرك تحت أقدامنا ؟، ماذا نفعل ونحن أمام واقع جديد يتشكل لم نستعد له أبدا؟. من المفترض أن تبدأ الدول بسرعة في مواكبة الواقع الجديد، وتقر الخطوات والإجراءات والتشريعات الجديدة، يجب أن تبدأ فورا في تغيير البنى التحتية للشركات والأعمال والبنوك والمدارس، تعيد هيكلة الوظائف والرواتب والمناهج لتوائم واقعا جديد التباعد الإجتماعي حجر الأساس فيه.
هناك دول ومدن قرأت المستقبل، واستعدت مبكرا له ، ومن بينها دبي التي أقرت منذ 10 سنوات الحكومة الإلكترونية والتعليم عن بعد، لذلك سيكون التكيف مع الواقع الجديد بالنسبة لها سهلا ، وهناك في المقابل الكثير من الدول التي لازالت تتمسك بالأوراق والأختام وطوابير الخدمات، وهذه الدول ستعاني كثيرا في التكيف .
مبادرات جيدة ظهرت لاستشراف العالم بعد COVID-19، منها مبادرة مؤسسة دبي للمستقبل التي بدأت بسرعة في دراسة الموضوع ، وأصدرت بحوثا مهمة في هذا المجال.
بعد COVID-19 التطوير لازم، والتغيير حتمي، ولكن الخوف .. كل الخوف ، بعد أن تمر الجائحة بإذن الله ، أن نعود ـ كما يحدث دائما ـ إلى عاداتنا القديمة المدمرة، فنقابل بعضنا البعض بالقبلات والأحضان، ونتزاحم في الطوابير، ونعود لتمجيد الفنانين والسياسيين ولاعبي الكرة ، وازدراء العامل الصحي، ونستأنف عملنا بهمة في تدمير الكون .
تاريخ الإضافة: 2020-05-02تعليق: 0عدد المشاهدات :1299