أعلنت السلطات في إمارة أندورا أن المعارضة التي تنتمي إلى يمين الوسط حققت فوزا مدويا في الانتخابات التشريعية التي أجريت في الإمارة الصغيرة، وتقع إمارة أندورا، التي يقطنها 85 ألف نسمة، في منطقة جبال البرانس على الحدود مع إسبانيا وفرنسا، وهي أول دولة في العالم يحكمها شخصان، حيث يحكمها رسميا كل من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وأسقف أورجيل الإسباني ، باعتبارهما أميرين مشتركين.
قلت في نفسي "يا بختك يا أندورا "، .. إمارة صغيرة تقع في أطراف العالم تنظم انتخابات نزيهة تفوز فيها المعارضة، شعوب كثيرة تمارس الديمقراطية بلا عراك أو جدل أو صراعات، ولا ثورات وقتلى، .. تجري انتخابات يفوز فيها من يفوز، الحكومة تخسر فتنتقل بسرعة إلى مقعد المعارضة، والمعارضة تفوز فتنتقل بسرعة إلى مقعد الحكومة .. وهكذا دواليك.
الممارسة الديمقراطية سهلة، لا تستلزم كل هذا الجدل الذي يحدث في بلادنا العربية، الشرط الوحيد لها هو توفر النية الصادقة للعمل لمصلحة الوطن. وليس النية لتوريث الحكم وتكثير الثروات.
لقد ظل العالم العربي على مر تاريخه يعاني من الحكم الواحد من خلال أنظمة دكتاتورية ظالمة لا تعترف بالرأي الآخر. وتعتبر أن الدول ميراث شخصي ورثته عن الأجداد.
ولكن مع انطلاق الثورات العربية ونجاح ثورتي تونس ومصر وليبيا، تجدد الأمل في عالم عربي جديد يمارس الديمقراطية الحقيقية التي تمارسها شعوب العالم المتقدم.
ولا أدري لماذا تأخرت الثورات العربية كل هذا الزمن، لماذا غابت الديمقراطية عن بلاد العرب، لماذا تأخرت الحرية كل هذا الزمن؟ رغم أن الإسلام نفسه دين ديمقراطي أقر الأسس الصحيحة للحكم الرشيد، من خلال البيعة والشورى والعدل.
الإسلام العظيم بريء من الدكتاتورية التي نراها في هذا العصر، والتي تهيمن على معظم الشعوب، فقد حاولت أنظمة الحكم تفسير الدين تفسيرا خاصا لتقنين القمع وحكم الفرد والتوارث، وقمع المعارضين والمخالفين في الرأي.
أما الإسلام فهو دين الحرية والعدل والمساواة والشورى والجماعة، والقضاء، وديوان المظالم، وبيت مال المسلمين، والتكافل الاجتماعي. والقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة كلها ترسخ هذه المبادئ، ولكن المشكلة عندنا في الفهم والتطبيق، حيث يظن الكثيرون أن الإسلام مجموعة من المبادئ بين العبد وربه ، بينما الإسلام الحقيقي دين سياسة وعمل وحياة.
المتهم الأول هنا هو الثقافة العربية التي ألقت بظلالها على المجتمع، وتوغلت وانتشرت، حتى كان لها في بعض الأحيان قوة الدين. الثقافة العربية ثقافة دكتاتورية متسلطة بنيت على المدح والهجاء، وتمجيد الفرد، وتعظيم الأشخاص والحكام ومنحهم الحصانة، حتى إن بعض الثقافات ترفعهم إلى مصاف الآلهة.
كانت علاقة المثقفين دائما بالحكام علاقة مريبة، حيث كان الشعراء والأدباء في معظم الأحيان أدوات في يد الحكام يحركونها كيفما يشاءون، لم نشهد في تاريخ الشعر العربي شخصية الشاعر الثائر الذي يتصدى بشعره للحاكم الظالم، حتى عندما كان الشاعر يريد أن ينقد، يجيء نقده على سبيل المدح والعتاب الرقيق المهادن الضعيف. كما فعل المتنبي في مدح سيف الدولة الحمداني في قصيدته التي بدأها بقوله:
(وَاحـرَّ قَلبــاهُ مِمَّــن قَلْبُـهُ شَـبِمُ .. ومـن بِجِسـمي وحـالي عِندَهُ سَـقَمُ / مـا لـي أكـتمُ حُبّـاً قـد برَى جسدي.. وتدَّعِي حُـبَ سَـيف الدَولـة الأُمَـمُ).
كانت هذه القصيدة رغم تميزها الفني نموذجا لضعف المثقف، وحال المثقفين في هذا العصر ومعظم العصور الأدبية، فقد كان الشاعر دائما بوقا للحكام، لا يجرؤ على نقد أحدهم أو المطالبة بالحرية.
كان الشعر في الماضي وسيلة للتعبير عن الحب والعاطفة والوصف والارتزاق ومدح الأنساب وهجاء الأعداء، كان الشعر يستخدم سياسيا في الانتقاص من الأعداء، وإدخال الرعب في قلوبهم، واستخدم أيضا في عهد الرسول لمدح الرسول وإظهار عظمة الدين الإسلامي، والرد على من يهاجمون الإسلام، حيث كان حسان بن ثابت شاعر الرسول، ولكن على الصعيد السياسي لم يكن له دور ثوري على الإطلاق.
الثقافة العربية ثقافة جميلة تطرب الأذن، وتهز الوجدان، ولكنها ـ من حيث السياسة ـ ثقافة دكتاتورية غير واقعية، اهتمت بالوصف والمحسنات البديعية، وأغرقت في الخيال ، ولم تهتم بواقع المجتمع السياسي، على العكس لقد قننت العديد من الممارسات الدكتاتورية على صعيد الفرد والأسرة والمجتمع. وكانت النتيجة هي ما نعيشه الآن. أنظمة حكم شمولية مستبدة لا تعرف الديمقراطية والحوار مع الآخر والتعددية السياسية.
الخلل إذن في الثقافة .. الثقافة هي التي جعلت مصر صاحبة أقدم الحضارات والسبعة آلاف عام، لم تعرف الديمقراطية إلا من شهرين بثورة 25 يناير، بينما أميركا التي لا تملك أساسا حضارة صاحبة أقدم ديمقراطية في العالم.
هنيئا لإمارة أندورا بالديمقراطية، وعزاء للعالم الإسلامي الذي مازال يتخبط كالضفدع في وحل الدكتاتورية الأسود.