كلنا يعرف الفقر، أخاديده ظاهرة على الوجوه المتعبة، وكلنا أيضا يعرف أنواعه التي عددها علم الاجتماع، وأشهرها بالطبع الفقر المالي، وهو افتقاد المرء للدخل المناسب ليعيش حياة كريمة، وقد وضع الحس الشعبي لمساته عليه ، فسماه "الفقر الدكر"، وهناك أيضا الفقر المائي، وهو مصطلح برز في السنوات الأخير لينبه لمشكلة شح المياه، والتي تفاقمت في العالم، وهو ما جعل بعض الاستراتيجيين يؤكدون أن الحروب المقبلة ستكون حول الماء .
النوع الجديد من الفقر، والذي لم يتطرق إليه أحد، هو الفقر الإبداعي، ويعني افتقاد الشخص المهارات الخاصة التي تمكنه من الابتكار والإبداع، والإبداع هو التفكير والاجتهاد لتقديم أفكار جديدة تساعد على تطوير العمل وتحقيق أفضل النتائج في أقل مدة زمنية.
زمان حيث الهدوء والإيقاعات البطيئة والتمرغ في تراب الميري، كان الأداء التقليدي ينفع، تقدم المطلوب منك على أكمل وجه ليمشي الحال، ولكن في عصر السرعة والأزمات والحروب والانترنت والتقنية التي تتطور كل ثانية، وشركات التكنولوجيا التي تصعد في سنوات معدودة، وتتعدى ميزانية بعضها ترليونات الدولارات، إشتد التنافس وارتفعت معايير العمل، وأصبح الابتكار عامل أساسي للبقاء.
الإبداع عامل مهم في أي عمل، في التعليم والتجارة والثقافة والسياسة، والتجارة الإلكترونية، وساعد هذا المعيار الجديد على تحقيق ديمقراطية النجاح، فأصبح بوسع الشاب البسيط الفقير الذي يملك الموهبة النجاح في غمضة عين.
وفيما شهد العالم في السنوات الأخيرة نموا واضحا في المشاريع الفردية العملاقة، وصعودا نوعيا لمؤشر الكفاءات، وتقدما لفكرة التفكير خارج الصندوق، لازال العالم العربي ـ الذي يتمسك جيدا بالموروث ـ يسير وفق السلم الوظيفي، وروتين الحكومة.
المشكلة أنه حتى الذي يفكر ويجتهد ويقدم أفكارا جديدة على صعيد العمل أو الوظيفة يعرض نفسه للخطر، لأن الحرس القديم يكون له دائما بالمرصاد، ولذلك انتشر تعبير شعبي مؤلم وهو "اربط الحمار مطرح ما يعوزه صاحبه".
لدينا أزمة إبداع، إذا لم تصدق أنظر حولك، حدد معايير للكفاءة والابتكار والإبداع، ضع لكل عنصر قيمة تقييم رقمية مثلا 10/ 10، بعد ذلك ضع قائمة عشوائية من أسماء القيادات في جميع المجالات بدءا من المدارس الحكومية، وحتى الجامعات والوزارت، حاول أن تمنح كل شخصية رقما يحدد مستواه في هذه المعايير، وأن يكون ذلك بتجرد قدر المستطاع ، ستجد النتيجة مؤسفة . معظم القيادات حتى الناجحة منها تقدم الخدمة التي اتفق عليها، بينما يوجد غياب مرعب للابتكار أو الإبداع .
لدينا فقر مدقع في الابداع، هذا الفقر يظهر في الثقافة ومستوى عمل الأجهزة والهيئات الخدمية والمدارس والدراسات الجامعية، ومهارات الجيل الجديد، وطرق تفكيره، وقدرته الضعيفة على الأداء.
يجب أن ننسف معايير التقييم القديمة، والتي تركز على الحضور والانصراف، والدرجة الوظيفية، والعلاوة السنوية ومسير الرواتب، ليكون الإبداع هو المعيار الأساسي في كل عمل، في بحر العالم الجديد لن ينجو إلا المبدع القادر على التفكير والاجتهاد، وتقديم أفكار مبتكرة، والنجاح بسرعة.. أكرر بسرعة.
تاريخ الإضافة: 2020-08-26تعليق: 0عدد المشاهدات :1708