تتميز كل إمارة من الإمارات السبع في دولة الإمارات العربية المتحدة بطابع خاص، لتكمل كل إمارة الأخرى، وتظهر لنا في النهاية باقة الإمارات الفريدة التي نراها اليوم، والتي تتسم بالثراء والتنوع .
تميزت إمارة الشارقة بميزة نوعية وهي الثقافة والفن والإبداع. في الشارقة تشرق الثقافة ويبرز الفن وتعلو قيمة الحضارة، المعيار الأساسي في تصنيف الأمم، وفيما ظلت الثقافة قيمة منسية في العديد من المدن العربية، لا تتعدى العمل الروتيني والخطب المنبرية، كانت الثقافة في الشارقة القيمة والمنهج والعمل.
لقد آمن حاكم الشارقة المفكر الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي بقيمة الثقافة، وأدوارها المهمة في تعزيز الانتماء، والارتقاء بالفكر والسلوك، وبناء الإنسان، ودور المعرفة في صناعة المستقبل، وكانت النتيجة مبهرة . لقد انعكس ذلك على الطابع العام للإمارة ككل، كما انعكس على حياة الناس، فارتفعت القيم الجميلة، وأخذت الشارقة سمتها العالمي كإمارة الثقافة والفكر والنهضة الحضارية والمعمارية.
عندما تتجول في شوارع الشارقة ستكتشف من أول وهلة، أن هذه الإمارة تقدر الثقافة العربية، والفنون الاسلامية، والقيم الانسانية الرفيعة . يظهر ذلك من الأبنية الثقافية الضخمة المشيدة في أرقى الأماكن، كما يبدو من المسارح والمقاهي الأدبية والبيوت التراثية، والهيئات الثقافية الجميلة المنتشرة في كل مكان، وكذلك من الأنشطة الثقافية والفنية الرفيعة التي تنظم بها على مدار العام، والتي تعمل بها الفرق كخلايا نحل، حتى أسماء الشوارع كرمت الشعراء من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث.
كما تتجلى الروح الثقافية من حركة التنوير الضخمة التي تقوم بها دائرة الثقافة في الإمارة، والتي تتضمن العديد من المظاهر كالمجلات الثقافية والشعرية والكتب والمؤلفات، والمسابقات والمهرجانات والأمسيات الشعرية .
ولم تقتصر الرؤية الثقافية للشارقة على البعد المحلي، ولكن امتدت للفضاء العربي الكبير ، وأثمر ذلك عن العديد من المؤتمرات والفعاليات والمراكز الثقافية في دول عربية متعددة، ومن بين تلك المراكز الثقافية بيوت الشعر التي بدأت في الشارقة، وأخذت تتمدد إلى مدن عربية لتنشر معها الضوء والفن والجمال، و"النادي الثقافي العربي" الذي ينشر الثقافة في بلاد العرب، وهو ما منح تجربة الشارقة الثقافية بعدا عربيا وعالميا .
لم تكن الهوية الثقافية للإمارة فقط قرارا لمسؤول، ولم يكن النشاط الثقافي مجرد نشاط حكومي، ولكنه هوية آمن بها الجميع وشارك في صناعتها الجميع، ولعل أحد الأمثلة على ذلك ماعلمته من تحصيل 10 دراهم على فاتورة الكهرباء لصالح العمل الثقافي.
في اليوم الأول في الشارقة، مشيت كعادتي طويلا في الشوارع، وتنقلت من القاسمية إلى السوق المركزي، إلى محطة الجبيل، إلى واجهة المجاز البحرية، وصليت بمسجد النور، ثم انتقلت إلى "بيت الشعر"، ثم عرجت إلى "الشارقة الثقافية" و"الرافد"، قضيت يومي أتأمل النقوش والرسوم على المساجد والأبنية، أحتضن البيوت فرحا، أشم بنشوة عبق التاريخ، وأتذوق طعم الكتب، كالعاشق الذي يقابل حبيبته، والباحث الذي وجد أخيرا خبيئة الكنز الذهبي .
هنا الشارقة ، حيث تقدر الثقافة وتتدلل، وتمارس دورها الطبيعي في صناعة الأمم، هنا نموذج عملي فريد لتوظيف المال في خدمة القيم، هنا بواكير نهضة ثقافية عربية تعيد الأمجاد الغابرة، هنا أكبر حركة لإحياء أهم قيمة قدمها العرب وهي الثقافة . هنا تشرق شمس العرب الثقافية من جديد بعد سنوات طويلة من الأفول.
تاريخ الإضافة: 2020-09-11تعليق: 0عدد المشاهدات :1668