الخذلان هو أن تتوسم في شخص ما أو جهة ما دعمك والوقوف معك وإنصافك والدفاع عنك، فتفاجأ بالعكس، شعور إنساني رهيب، يشبه بناء بيت من عدة أدوار ثم فجأة تزيله الجرافات، كشخص صعد على السلم لينجو، ومد يده لزميله على السطح ليأخذه، فقام "البطل والمنقذ" بدفع السلم فوقعت على جدور رقبتك، هو مزيج من الحسرة والصدمة والتعاسة.
والخذلان ميكس من المكر والخديعة والخيانة والندالة، ولكى تشعر بإلاحساس الحقيقي تخيل شعور يوليوس قيصر وهو يتلقى طعنه أعز الأصدقاء فتتجمد في عيناه الدموع، ويقول "حتى أنت يابروتس".
وخذلان اليوم أكثر من خذلان الأمس، ففي الماضي كانت العلاقات الاجتماعية قوية ، وقيم القرية لازالت موجودة، كانت الشهامة موجودة حتى بين الحرامية ، وكان لسلو بلدنا بما يحمل من قيم تأثير في الحياة الاجتماعية ، أما اليوم ضعفت العلاقات وبردت المشاعر وجاع الناس، وانسحق المجتمع ، فصار كل شخص مشغولا بنفسه.
ويكثر الخذلان في المجتمعات العربية حيث تلعب العاطفة دورا في تكوين العلاقات، ويكثر العشم الذي تنتجه البيئة المتقاربة أحيانا، والعلاقات الاجتماعية المتشابكة كالبيوت المتجاورة، وحيث الشباك يقابل الشباك ، والأسطح التي غابت عنها الحدود الجغرافية.
أما في المجتمعات المادية الغربية، فتخفت المشاعر، وتصل أحيانا حد البرود، فيتلاشى الخذلان، وتصبح القطيعة قانونا وليس استثناء، وتغيب حمرة الخجل، وإذا أردت أن تعرف الفرق بين الشرق والغرب في ذلك، قارن بين العربي الذي يصر على دفع الحساب عنك، حتى لو لم يكن معه ما يكفي، والغربي الذي يطنش، ويقول fifty fifty.
ويزيد الخذلان كلما زاد سقف التوقعات، وغالبا ما تزيد وترتفع حتى تبلغ عنان السماء، لذلك عندما يحدث الخذلان تصبح الضربة قاضية.
والخذلان موجود في الحب والعمل والعلاقات الاجتماعية، فكم من عاشق خذلته حبيبته، وكم من موظف خذله زميله، وكم من صديق شجعك وحرضك على المعركة، وما أن تبدأ الهجوم تلتفت حولك فلا تجد له أثر.
العزوة والقرابة والقبيلة والعادات في جانب، وأيضا الواسطة والمحسوبية والتعصب في جانب آخر وغيرها من التقاليد التي تعرف بها المجتمعات العربية كلها ساهمت في تكوين العشم الشعبي، بل وزيادة هذا العشم ، فيتوقع المرء أن يجد من المتعشم به الكثير، وعندما يذهب يفاجيء بأن هذا الشخص الأسطورة الذي سيحقق أحلامه استندل.
وللكاتب الراحل أنيس منصور كلمات في الخذلان ، منها : "امضوا بلا توقعات ، لـتعيشوا بلا خذلان"، و"كي لا تموت مرتين .. لا تعود لمن خذلك".
الخذلان تجربة مريرة يجب أن تتوقعها، في كل خطة، وكل مشروع، وكل علاقة ، ضع أمامك 3 احتمالات المكسب والخسارة والخذلان .. بذلك فقط تتجنب الضربة القاضية.