تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



الراوي : العالم بدأ يفقد شيئا عزيزا وهو المكان


فيلسوف العراق يكشف أسرار الدربونه في كتابه "الأمهات"
ماهيه وحسين العيشه وعمر العزاوي وسكنى شخصيات من الزمن الجميل
فردوس الأمومة من لحم ودم ومشاعر بيضاء كالفجر
عاقبني الملا بالفلقة فقالت أمي : عصا الملا من شجر الجنة
انتهت العناوين والتواصل والمشاعر ولم يعد للأم صوت  


 
الشارقة : الأمير كمال فرج.

نظم النادي الثقافي العربي أول من أمس جلسة أدبية لمناقشة كتاب "الأمهات" بحضور كاتبه الدكتور عبدالستار الراوي، أدار الجلسة الكاتب الصحفي محمد ولد سالم، بمشاركة وحضور عدد من المهتمين والمثقفين .

عبد الستار الراوي من مواليد بغداد سنة 1941، حصل على الدكتوراه من جامعة الإسكندرية بمصر سنة 1977، عمل أستاذا للفلسفة في جامعة بغداد، وعين سفيرا للعراق لدى إيران في الفترة من 1998 وحتى 2003 تاريخ الاحتلال الأمريكي للعراق.

له إسهامات فاعلة في تحرير "الموسوعة الفلسفية العربية"، شارك في عدد كبير من اللجان المشكّلة في العراق لبحث شؤون تدريس التاريخ وكتابته. كما شارك في عدد كبير من المؤتمرات والندوات العلمية عن التاريخ وما يتّصل به.

له العديد من المؤلفات منها: فلسفة العقل، ثورة العقل مدرسة بغداد الاعتزالية، التصوف والبارسيكولوجي، الفكر السياسي الإيراني المعاصر، العقل والحرية، مناهج البحث في العلوم الطبيعية، قمر الكرخ .. سيرة دربونه بغدادية.

قال الكاتب الصحفي محمد ولد سالم "نلتقي اليوم الفيلسوف والمفكر العراقي صاحب الكتب في التاريخ وفلسفة العقل، في موضوع فلسفي ووجداني وفكري واجتماعي، هو موضوع الأمهات من خلال نظرة في كتابه "أمهات زمن الكرخ السعيد" هذا الكتاب سيرة للأمهات وبالذات والدته وصاحباتها، ليس ذلك فقط، ولكنه سيرة للأمهات في كل زمان ومكان، لاشيء يقال عن الأمهات أكثر مما قاله الدكتور عبدالستار، لاشيء أقدس في العلاقات الاجتماعية من علاقة الأم بابنها أو بنتها، كل العلاقات يمكن أن تتقطع عراها إلا هذه العروة ، عروة العلاقة بين الأم وابنها، كأنها عرق دموي يظل يجري بينهما، حتى بعد الانفصال وانقطاع حبل السرة، قد يقتل الأب ابنه، وقد يقتل الإبن أبيه، ولكن الأم لا يمكن أن تقتل ابنها أو تعاديه، فلا علاقة في هذه الدنيا، ولا حب مثل حب الأم لأبنائها، هذا شيء خلقه الله في الأمهات، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهن "الجنة تحت أقدام الأمهات".

محراب الأمومة

قال الدكتور عبدالستار الراوي "هذه ليست محاضرة، وليس الكتاب كتابا تاريخيا، ولكنه وقوف في محراب الأمومة، أنا لا أتحدث عن مرئيات ماوراء المكان أو الزمان، أتحدث عن بيئة ربما الفردوس "يوتيوبييا"، والتي هي حسب التعبير الفلسفي اللامكان والتي كتب عنها كثيرون، هذا فردوس الأمومة الذي يتكون من لحم ودم ومشاعر بيضاء كالفجر، وقلب الأم هو سيد الألوان الأبيض، كل الألوان تشتق من اللون الأبيض،  هي الوحيدة التي تحمل هذا اللون وتمنح الآخرين ليعيشوا .

كل هذه اللوحة شعاع تنبثق من لحظة الأمومة، هذا ليس كتابا، هذا معايشة حقيقية عشتها وأنا طفل ، الدربونة كان فيها أحد عشر منزلا، وكلمة الدربونه تعني زقاقا غير نافذ، كان كل منزل من المنازل يعيش فيه خمس عوائل، ولكن بكل صدق وأمانة، أنا محظوظ، فأنا أكثر واحد في العالم عاش بين الأمهات، رضعت من كلهن، ولذلك لدي إحدى عشر أم وأخوة بلا حصر، وأخوات بعضهن أتواصل معهن حتى اليوم .

سنة 1974 كنت عائد من مصر العروبة إلى منطقتي أقف على المنازل والديار، وإذا بغادة جميلة تعانقني، فاستغربت، قالت :  أنا "جوده" ألا تعرفني، فقلت لها : لا ، قالت أنا أختك ، وأمي عاتبة عليك ، ذهبت الأيام وأتاني صديق وقال لي : أمك تعتب عليك وتبحث عنك، فقررت زيارتها، فوجدتها قد حملت متعها من الفحامة إلى مدينة العامر.

علي ابن الجهم هو الذي عرّف بغداد في قصيدته  "مابين الرصافة والجسر"، الأخت نخلة العراق تقول "مابين الرصافة والكرخ" ، الكرخ والرصافة توأمان، ولكن الكرخ كان بالنسبة لصبي مثلي كانت شيء كبير، كنت أتصور أن  العالم ينتهي عند جسر العتيق، وعندما عبرت إلى الضفة الأخرى عبرت إلى كوكب آخر، وجدت مساحة هائلة وحشد من الناس، ورأيت مالم أره طوال سنوات عمري، فحسبت أني نزلت إلى عالم آخر، هذا الذي كنا نطلق عليه البساطة والتلقائية الشديدة والسخاء، وليس الكرم.

كل منا يستطيع أن يكون كريما، ولكن السخاء أن تعطي من داخلك، ربما تقضم قلبك، ربما تمنحه جزءا من روحك، السخاء توأمه الإيثار، هذه ليس معلقات ميتافيزيقية، فأنا مدرس فلسفة، لذلك أقول أن هذا عين الوجود وعين اليقين .

ماهيه فلسفة الوجود والعدم

"ماهيه" أطلقت عليها فلسفة الوجود والعدم، امرأة تجلس في باب دارها، والدار مساحته 12 مترا، يعيش فيه بطوشة وابنها أحمد، وقبيلة وكميلة والصغراوي زوجها . الصغراوي رأيته مرة واحدة، كان يأتي كل ستة أشهر، يعيش في منطقة اسمها خانقين، بطوشة حسين العقلة.

ماهية زوجها اسمه بريسم، برسيم وماهيه يبحثان عن بقعة شمس ليدفئان عظامهما. ويصيح بريسم إلى سبت الأعمى وهو بحار قديم جاب العالم وعرف الدنيا وكف بصره، ويقول : "أريد أسمع بيت عتابا "، وظل هذا البيت عالقا في قلبي حتى اليوم.

تكرر ذلك في القرن الواحد والعشرين، ولكن في العصر الرقمي لايمكن أن تجد مكانا لمشاعر الإنسان. 

"هلي مركب بنص البحر مامال  .. "هديب" ومن تجي م الحمل ماملّ

ماهيه تقول أن الحياة هي الوحيدة التي تؤمن أن القدر يلازم المرء منذ أن كان جنينا، وكانت تعتبر الحياة قاسية، لأننا ألزمنا أن نحمل أسماء قد لانحبها، ونقترن بزوج نعيش معه وهو غريب عنا.

الوليّ حسين العيشه

كنت أحلق عند حلاق اسمه حسين العيشه، سألت أمي لماذا سمّوه "عيشه"، وهو اسم ينبغي أن يكون مذكرا، فقالت : هذا الرجل ولي، حسين العيشه أصيبت أمه بشلل رباعي ، هو كائن هائل طويل، رأيته وهو يحمل أمه على ظهره عصر كل يوم، ويطوف بها منطقة الفحامة، من أجل أن لا تشعر بالوحدة، وأن ترى الناس .

قالت الأم : أن حسين هو ما منحني الحياة ، منحني القدمين، كنت أشعر أني أمشي وليس هو، والغريب أن الفحامة النبيلة كافأت الرجل، فهو مدفون على هضبة التل الأحمر ، وفوق التل راية حمراء، من رفع العلم .. لا أدري ؟.

وعندما كنت أقدم محاضرة في الجامعة الخليجية في البحرين، فوجئت بالدكتورة هند الراوي تحدثني وتقول لي : حسين العيشه جدي، فقلت لها اسمحلي أن أقبل رأسك، وكأني أقبل رأس هذا الرجل.

حسين العيشه كان يقوم بطهور المواليد مجانا، وطب الأعشاب مجانا، وعلاقته الوحيدة بالمال أنه مزين. في يوم من الأيام طرق باب دكانه رجل يبدو عليه الصلاح ، وكانت لهجته تونسية ، قال له : أنا أزور بغداد فقادتني خطاي إلى دكانك، وعندما سأله عن سبب حضوره، أخبره أنه جاء ليزور عبدالقادر الجيلاني أحد أعلام الصوفية في العراق . فقال له حسين العيشه " لدي نزل هناك، ما رأيك أخصص لك حجرة في بيتي"، وبقي التونسي ولم يعد إلى تونس حتى مات .

وقال له التونسي قبل أن يموت "أوصيك إذا مت قبلك أن توصي أن تجاورني لأني لم أقابل شخصا مثلك"، عندما مات العيشه جاور صديقه في مماته، كما جاوره في حياته.

سحر المكان

الآن ابتعد العالم عن القيم البسيطة، هناك مسائل شخصية لا ندخل فيها، ولكن العالم بدأ يفقد شيئا عزيزا وهو المكان. شخص اسمه باشلان وضع كتابا جميلا اسمه "سحر المكان" كتبه برؤية أوروبية ، يجلس في الشرفة ويحكي، ولكنه مسّ شيئا مهما داخلي، قال أن حياتنا فقدت التواصل الاجتماعي، التواصل الاجتماعي عامود من أعمدة الأخلاقيات ، الأخلاق بمعناها العام التواصل، والشيء الآخر هو المتغير الذي يجب أن نضع له مقابلا . المتغير الكوني هو الإنترنت.

هل لديك حساب على الإنترنت؟ ، ماهي تغريداتك؟ .. هذا السؤال اليومي . لا يقول : كيف الصحة؟، أدخل منزلا فأسأل عن الأولاد، فتتصل الأم بابنها وهو في الطابق الثاني، لم يعد للأم صوت . هذا تفسير موجع، في العصر الرقمي انتهى زمن العناوين ، صارت كلها أرقام .

صفحة أخرى حميمة ربما تكون لدى الشباب . الجيل الذي ذهب ولم يعد . كان العاشق بمجرد أن يقترب من الدربونه أم المحلة يغمى عليه ، ذهب زمن المكاتيب ورسائل الغرام، اقتحمت قيم أخرى بديلة ولغة أخرى حلت بدلا من اللغة الابتدائية .

وصايا الأمهات

أخلاقيات الدربونة تبدأ من وصايا الأمهات، عندما تقول الأم "امش مع الذي يبكيك ولا تمش مع الذي يضحكك"، قد تغيب هذه الحكمة عندما كنا صغارا ، ولكنها رحيق من تجربة عاشت بها الدربونة .

يأكلون من طبق واحد، ونحن أطفال قد تحدث بيننا مشادات، ولكن لا يبيت أحد منا قبل أن ينسى أو يغفر قبل مغيب الشمس، الدربونة لا تسمع فيها لغوا ولا تأثيما، لا يجوع فيها إنسان ولايعرى.

عمرالعراوي وحكاية الدراهم الثلاث

أتذكر رجلا اسمه عمر العزاوي، تزوج ولم يعقل، كان يعمل حمالا، كان العزاوي يستبق الفجر ويذهب إلى العمل، زوجته تتمتع بمدركات نفسية فائقة، قبل أن يفتح باب الدار تفتح الباب له،  وعندما يريد شيئا، تنفذه قبل أن يقوله، وعندما سقط جراء حمل ثقيل، وكانت المسافة بينها وبينه ثلاثة كيلو، هتفت "عمر صعد إلى الله".

عمر الحمال كان المبلغ الذي يتجمع بين يديه أسبوعيا تسعة دراهم ، كان يصلي العشاء في جامع بمنطقة الفحامة بالكرخ، ويذهب مع صديق إلى المقهى، في يوم من الأيام شاهده صديقه وهو يرمي شيئا على بيت ، فقال له زميله "انت تصوم وتصلي، فلماذا تتعدى على الناس، هؤلاء أيتام نائمين"، فقال له "استرني .. عقلي صغير، لقد أخطأت".

وفي مرة أخرى رآه يرمي بيتا جديدا، فأمسك يده، وعندما فتح يده وجد فيه صرة فيها ثلاثة دراهم، فطلب منه ألا يتكلم، فأهل البيت يعتقدون أن الله أرسل لهم هذه الدراهم، والبيت الأول فيه امرأة ضريرة، وهذا البيت فيه أيتام.

وقال له أنه يلقي ثلاثة دراهم على النزل الأول، وثلاثة أخرى على المنزل الثاني، ويبقي ثلاثة دراهم ليعيش بها هو وزوجته.

سكنى حي على العمل

شخصية أخرى اسمها "سكنى"، وهي ساقية ماء تسقي الناس بأجر متواضع، في هذا الوقت لم يكن في بيوتنا مصدر ماء، ولا كراسي أو طبليه . مستحيل، "سكنى" الفقيرة مسؤولة عن زوج مقعد وضرير وبنت صغيرة، ولا يوجد شيء تملكه .

كانت سكنى تسقي الأشجار ، أي نبتة خضراء هي مسؤولة عن سقياها دون أجر، ترفض الصدقة أو الزكاة، كان هتافها المعتاد "حي على العمل" وذلك بمعنى الاستئذان .

ماهيه تقول وهي وصية لكل الأمهات "دير بالك تبقي نقطة سواء في قلبك، هذه النقطة السوداء تتجمع وتصير كتلة فتصير روحك كلها سوداء ، قبل أن تنام يجب أن يكون قلبك أبيضا وتصفح عن الآخرين ".

شجر الجنة

درست عند ثلاثة أساتذة في الكتاب ، الأول علمنا القراءة والكتابة والثاني علمنا الترتيل، والثالث اختص بالتجويد وكان جميلا بهيا، ذات يوم وصلت إلى جزء عم، ولكني لم أحضر واجبي، فالملا عاقبني وضربني بالفقلة، أوجعتني قدمي، فعدت إلى أمي باكيا، وقلت لها أني لن أعود إلى الملا مرة أخرى .

أمي كان حلمها الوحيد ان أحفظ القرآن، لأقرأ القرآن على روحها، لذلك عارضت دخوي المدرسة . وكان يوم دخولي المدرسا مأتما، فقالت لي "هل تعلم هذه العصا التي ضربك بها، هذه من شجر الجنة، فلا تغضب والتمس العفو من الملا، وسوف أذهب معك، لتعاهده على أن تقرأ وتحفظ دروسك".

هذا التواصل الذي يصفه فلاسفة الأخلاق بالتواصلية هو الذي يجب أن ندافع عنه كبشر، لأن التواصل الإلكتروني زائف ، 1000 شخص يدخلون على حسابك ، وقد يكون رجلا ويدعي انه فتاه، لا أعترض، ولكن هذا التقدم الذي يحسبه الآخرون تقدما في موضوع القيم هو في الحقيقة عودة ، ورفع جوانب من جوانب الأخلاق

نحتاج إلى التكنولوجيا التي تعلم الناس الحب والتسامح والصفح، للتواصل الإنساني، كتبت عن أخلاقيات هذه الأدوات، الآن طفل عمره أربعة سنوات يحسن إدارة صفحته على فيسبوك أو تويتر، ويرى ما كان مستحيل أن يراه إلا بعد الأربعين، لذلك كتب التربية القديمة لم تعد تصلح للتربية ، هذه الكتب ذهب زمانها، فالشاب يتكلم الآن بطريقة مختلفة عن زماننا.

الأم مهنة أبدية بلا أجر بدوام كامل، الأم الوحيدة التي تسهر، وعندما يصاب ابنها بحمى تحمل درجة الحرارة نفسها، أمي وأنا في الكتاب تعلمت منها شيء،  فقد كانت تثق ثقة كاملة بأن للشجر روح وللنمل روح كما الإنسان، كانت تقول "إياك أن تسرع ، يجب أن تكون حذرا عندما تمشي في أي طريق خشية أن يكون هناك نملة"، فدهشت ، فقالت أمي أن "النملة تحمل زادا وأولادها ينتظرون، إذا سحقتها ستموت وصغارها أيضا سيموتون" . هذه ليست جزئية، هذه كلية فلسفية.

تاريخ الإضافة: 2022-03-02 تعليق: 0 عدد المشاهدات :825
2      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات