الأمير كمال فرج.
في إطار جهوده في إثراء المجال الثقافي بتنظيم الأمسيات والندوات الأدبية التي تحتفي بنجوم الإبداع، وتناقش أهم القضايا في الراهن الثقافي، استضاف النادي الثقافي العربي الروائي السوري نبيل سليمان في لقاء أدبي تحدث فيه عن تجربته الرائدة في مجالي الإبداع والنقد.
حضر الندوة الدكتور عمر عبد العزيز رئيس مجلس إدارة النادي، وعلي المغني نائب رئيس مجلس الإدارة، وأدارها الأديب عبدالفتاح صبري، وشهدت حضور ومشاركة عدد من المثقفين والأدباء والإعلاميين والمشتغلين بالعمل الثقافي.
ولنبيل سليمان 57 كتاب، منها 22 رواية، وصدرت حول أعمال 13 كتابا، والعديد من المقالات والأطروحات الجامعية، وقد حصل على العديد من الجوائز والتكريمات، وهو محكّم في الكثير من الجوائز في الوطن العربي، كان آخرها جائزة سلطان بن علي العويس في حقل القصة والرواية المسرحية لعام 2021، وكانت روايته "مدارات الشرق" رقم 20 بين 100 رواية صدرت في القرن الماضي، وهو يساهم في إثراء الحركة الثقافية العربية مبدعا وناقدا، وله العديد من الإسهامات الثقافية المهمة.
كاتب متجدد
قال الأديب عبدالفتاح صبري محتفيا بالروائي والناقد نبيل سليمان "منذ يومين سألت نفسي : متى تعرفت على هذا الرجل الجميل والنبيل، وأي سنة قابلته وتعمقت هذه المعرفة وهذه الصداقة، وإن كنت قد عرفته قبل ألقاه بالتأكيد، للأسف لم أجد إجابة، ليس لأن السن يسمح بالنسيان أن يتسلل إلى عقلي، ولكن لأن هذا الرجل يدخل إلى القلب مباشرة، فلم أسأل طوال هذه الفترة، متى قابلته، فهو هو موجود في القلب، بالتأكيد ليس صديقي الوحيد، وأنا لست صديقه الوحيد، ولكن المؤكد أنه في قلوبكم جميعا".
وأضاف أن "نبيل سليمان كان من العظام الذين نالوا جائرة سلطان بن علي العويس التي أعتبرها نوبل العرب، لحياديتها، ودورها المهم في تكريم المثقف العربي على الأقل في حياته وفي وجوده" .
تلا صبري جزء من تقرير المحكمين في جائزة سلطان بن محمد العويس والذي منحت المؤسسة بموجبه جائزتها لعام 2021 للأستاذ نبيل سليمان، وقال "قررت اللجنة منح الجائزة للروائي نبيل سليمان، لما تميزت به تجربته الإبداعية، من تنوع وثراء، لقد عبرت تجربته تاريخ الثقافة الأدبية العربية لمدة قاربت الستة عقود، وعبرت عنها في كافة مفاصلها الجمالية والسياسية والأيدلوجية، كما أنها عكست مناخات تطور تجربة الكتابة السردية العربية بشكل واضح".
وأضاف التقرير أن "نبيل سليمان كاتب متجدد، ومثابر، يعمل باستمرار على تجاوز تجربته الروائية من بعد إلى آخر، ويعتبر من الأسماء الأكثر عطاء من حيث الحضور المتواصل، دون انقطاع، وتتسم تجربته السردية بالقدرة على المزاوجة بين التوثيق والتخييل، ومابين السيولوجي والسياسي، رواياته، على الرغم من استنادها إلى التاريخ مادة، ترتفع بهذا التاريخ إلى مرتبة المتخيل.
وأوضح أن نبيل سليمان يكتب بلغة تبدو بسيطة في ظاهرها، ولكنها تستمد عمقها من شعرية اليومي الشامي، مما يجعلها قريبة من الحكي الشعبي المفعم بالبعد الفلسفي الدال على العبقرية الشعبية والذكاء الجمعي، وبهذه المقاربة الجمالية، فهو يؤصل النص ويعطيه نكهة محلية متميزة".
القراءة والسينما
قال سليمان "في المرحلة الإعدادية في الرابعة عشر من عمري عندما كنت طالبا في طرطوس، كانت القراءة والسينما المكونان الروحيان، وهما ما دفعني للكتابة في ذلك السن الغرير، فكانت محاولة كتابة قصة فيلم شاهدته "طريق الأمل"، محاولة ساذجة من مراهق، لكن في نفس المرحلة العمرية عام 1959 إقتنيت دفترا من 40 صفحة وكتبت قصة طويلة لازلت أحتفظ بها حتى الآن، عنوانها "حكاية حلم"، وكانت الشخصية المحورية فيها "نبيل" وكان الحوار بالعامية المصرية، وانتهت الرواية بانتحار العاشقين في نهر النيل، ورغم سذاجة الفكرة ، إلا أن 40 صفحة كانت مؤشرا على أن هذا المراهق الكاتب سيبتلى بأمر ما، درست في الثانوية الصناعية في اللاذقية وكان اختصاصي سبك المعادن، وكانت اللغة العربية عليها 20 عامة من 360 ، ولكن القراءة والسينما كانتا حاضرتين يوميا في حياتي".
وأضاف "من حسن الحظ أن في تلك الأيام في اللاذقية، من 1959 : 1962 كانت توجد سبعة دور سينما، اليوم في 2022 لا توجد أي سينما، عدا دار حكومية اسمها الكندي تعرض فيلما كل شهرين أو ثلاثة، وكان لسينما الكندي في كل المحافظات دور مهم في تثقيفنا وإمتعنا بالسينما خلال السبعينات والثمانينات".
وأوضح أنه لم يتجه كعادة المراهقين ـ الذين يسيطر عليهم وسواس الكتابة ـ إلى الشعر أو القصة القصيرة، فبدأ بـ 40 صفحة، وفي الجامعة كتب رواية من 100 صفحة لم يكملها، ولاتزال مخطوطة لديه، وهكذا إلى أن كتب المحاولة الأولى.
5 محاور
أوضح سليمان أن "هناك خمس محاور مفصلية في محاولاتي الروائية وربما النقدية أيضا، الأول هو : الطبيعة ، فقد توقفت عن دور الطبيعة في العمل الروائي، وفي تكوين الكاتب؟، لا أقصد بالطبيعة الأنهار والجبال والأشجار ولكن الكائنات أيضا. وهذا السؤال الذي شغلني بدرجات متفاوتة في بعض رواياتي، ومنها روايتي الأخيرة رقم الـ 23 والتي صدرت الشهر الماضي وهي "تحولات الانسان الذهبي" التي تناولت كائنا من كائنات الطبيعة وهو الحمار، ومن اللافت أن 12 رواية عربية صدرت خلال العقدين الماضيين حول الحمار، وبعضكم يتذكر روايات توفيق الحكيم عن الحمار" .
وقال أن "الرواية الأولى في التاريخ حسب ما يؤكد كثيرون وهي رواية الجزائري الأمازيغي لوكيوس أبوليوس التي ترجمها الليبي الراحل علي فهمي خشيم ، وعنوانها "تحولات الجحش الذهبي" ، كانت عن الحمار، ولكن في كل الروايات القديمة والجديدة التي اشتغلت على هذا الكائن من كائنات الطبيعة اتخذته قناعا لتمرير مايريده الكاتب، مثلا الحمار كان في روايات توفيق الحكيم كان قناع له، وكذلك في رواية يحيي حقي، وقس على ذلك، ولكن روايتي "تحولات الإنسان الذهبي" ذهبت عكس ذلك تماما . لم يكن الحمار قناعا لتمريرأفكار أو فلسفات . كان كائنا تحول إلى إنسان، وعاش خلال الستينات والسبعينات والثمانينات خلال خلال هذه العقود العربية الكالحة".
وأبان أن "حضور الطبيعة في الرواية، ليس فقط رمالا وجبالا وصحراء، الطبيعة ركن أساسي في روايات مثلا عبدالرحمن منيف، وإبراهيم الكوني، .. النهر كمثال ، كم رواية من الروايات العربية والعالمية تناولته، والكائنات الأخرى التي تشاركنا هذا الوجود أين هي؟، لقد أجرم الإنسان أيما إجرام فيما فعله في الطبيعة، والآن بدأ يدرك سوء مافعله، وبدأ يستدرك بقضايا المناخ والأوزون وغيرهما .."
قداسة التاريخ
القضية الثاني هو التاريخ، والسؤال الذي ألح عليّ : هل للتاريخ قداسة معينة؟، أم أنه عبرة فقط؟، وماذا يعني التاريخ للرواية؟، بعض الروائيين يتناولون شخصية تاريخية يصنعون منها رواية ما، في بداية ظهور الرواية العربية في النصف الأول من القرن التاسع عشر إلى النصف الأول من القرن العشرين ، ظهر ما عرف بالرواية التاريخية، وكان اعلامها جورجي زيدان ومحمد فريد أبوحديد ومعروف الأرناؤوط . ولكن منذ بداية ستينات القرن الماضي بدأت علاقة الرواية بالتاريخ تأخذ طابعا جديدا، لم تعد فقط الرواية هي العبّاسة أخت الرشيد مثلا من روايات جورجي زيدان، ولم تعد عمر بن الخطاب في رواية معروف الأرناؤوط، بدأ ما أسميه الحفر الروائي في التاريخ، ولطالما كتبت وكررت محاولا أن أكرس نظرية الحفريات الروائية في التاريخ، حيث التاريخ نبع وليس قيدا، ليس أمثولة، درس من الدروس، وليست الوثيقة والمعلومة هي الأساس".
وأكد سليمان أن "المقدس هو المخيلة، لأن الخيال هو الأساس، بدون تخييل لاتوجد رواية . من يريد أكثر من ذلك يمكن أن يكتب بحثا في التاريخ، لكن أن تسخّر الرواية لتكون مطية تاريخية ، هذا يجعلها لا هي بالتاريخ ولا الرواي".
ويرى أن "مشكلة بعض الروائيين حتى في أيامنا هذه أن الروائي عندما يريد أن يحل محل المؤرخ لن يكون روائيا ولا مؤرخا، والعكس صحيح . المؤرخ أيضا الذي يريد أن يكون روائيا لن يكون هذا ولا ذاك"، مشيرا إلى أنه خصص سبع سنوات من عمره لكتابة رواية "مدارات الشرق" في أربعة أجزاء و2400 صفحة ترصد التاريخ السوري والتاريخ العربي منذ مطلع القرن العشرين وحتى خمسينات.
وقال سليمان أن "الرواية علمتني لذة القراءة والكتابة، علمتني أن تسلم جسدك وروحك ـ لتكون ملك الكتابة ليل نهار يقظا نائما . كنت أكتب من 12 : إلى 14 ساعة يوميا لمدة سبع سنوات ، وكان لذلك لذة خاصة."
وأضاف "كنت في الأربعين . تعرفت من من الرواية على التيارات التي أطلقها شبان مثقفون في الشام، أغلبهم درس في فرنسا أو الأزهر أو الأستانة، منهم من أسس التيار القومي العربي، ومنهم من أسس التيار الشيوعي الماركسي، ومنهم من أسس التيار الاسلامي الإخواني، ومنهم من أسس التيار القطري . هذه التيارات الأربعة التي أسسها شبان مثقفون في العشرينات والثلاثينات والستينات أسفرت بعد الاستقلالات العربية عن أحزاب جماهيرية، واستهوت شبانا آخرين بصورة خاصة في القوى العسكرية المختلفة . ومنها صنع أغلب المستقبل العربي منذ نهاية الخمسينات حتى اليوم بأسوأ مافيه . وبأجمل مافيه .هذا كله علمني ليس من الكتابة التاريخية، ولكن كتابة الرواية الحفرية الروائية ."
التجريب والتجديد
وتناول سليمان القضية الثالثة وهي: التجديد ، وقال أن " التجديد لا يقوم إلا بالعمل ، والتثقف والمراجعة والتجريب، ولكن كثيرون استسهلوا هذا القول في الفورة الروائية العربية خلال العقود الثلاثة الماضية . أحدهم يقول : أنا أجرب، لقد صرتم تقليديون . تحدون مخيلتنا اتركونا نجرب. ".
وأكد ان "التجريب ليس مجانيا، ولكنه مسؤولية عالية وثقافة أعمق فأعمق، وشجاعة وجرأة أكبر فأكبر، وهناك أمثولات كثيرة عربية وعالمية للاقتداء بها، ليس لتقليدها، متى ما قلدت ابتعدت عن التجريب".
وأبان أن "العلامة الفارقة في كتابتي للرواية خلال خمسين عاما، كان الالحاح على التجريب والتجديد أساسيا فيها. أحيانا أعمل في منظور أو أكثر من خلال روايتين أو ثلاثة ، ثم أنتقل إلى شيء ".
يقول "بدأت برواية "انزياح الطوفان" التقليدية بعد تخرجي من الجامعة بثلاث سنوات، كنت وقتها أقرأ، ولكن كنت جاهلا بفن الرواية، لا توجد رواية في تلك الفترة لنجيب محفوظ أو حنا مينا أو الروايات الوجودية المترجمة، لم أقرأتها ، ولكن لم تكن هناك ثقافة نظرية، درست في الجامعة من 1963 : 1967 على أيدي أساتذة أجلاء . ولكن لم يكن هناك ثقافة في الرواية الحديثة .كنت أتعلم من الروايات، وبعد ثلاث سنوات أصدرت رواية "ثلج الصيف"،
جربت تعدد الأصوات، ولم يكن في ثقافتي النظرية هذا ، كانت رواية "مينامار" هي الدرس الذي أمامي، وعندما أصدرت رواية "ثلج الصيف" أسندت لكل شخصية من شخصياتها فصلا، وفي يوم ما ضرب الروائي والمعجمي سليمان فياض رحمه الله مثلا لرواد البلوفينية بروايته "أصوات" وبروايتي "ثلج الصيف " التي صدرت عام197".
السيرية والغيرية
القضية الرابعة في مسيرة نبيل سليمان كان كانت السيرية، يقول "بعض الناس يقولون أن كل كاتب موجود في كل رواية يكتبها كأن السيرية أمر محتوم ، أنا لا أظن ذلك . روايات كثيرة لي ليس فيها من سيرتي الذاتية شيء ، ولكن في روايات أخرى كانت السيرية عصبا أساسيا مثل روايتي "مسلة" التي صدرت عام عام 1980 ، في هذه الرواية اسم الشخصية المحورية في كان اسمه "نبيل""، وهذا لايعني أن كل رواية سيرة ذاتية حرفية، لأنك بمجرد دخولك في الرواية بدأت في لعب المخيلة ".
وأضاف "في تلك الفترة عام 1980 من كان يسند اسمه الشخصي لبطل الرواية، فعلها من قبل غالب هلسا في روايته "الخماسين" 1975، وفي نفس السنة التي صدرت فيها روايتي "المسلة" أرسل لي المفكر المصري أحمد صادق سعد لي مخطوطة لعبد الحكيم قاسم عنوانها "محاولة للخروج" وقد عملت على نشرها في دار الحقائق في بيروت، ونشرت 1981 ، الشخصية المحورية في هذه الرواية كان اسمه "حكيم" أو "حكم"، هل في ذلك نرجسية أو طغيان الذات، أم تمثل عميق لجوانب من شخصيتك أو حياتك في هذا العمل أو ذاك؟" .
علاقة الفنون بالرواية
نوه نبيل سليمان سريعا إلى القضية الخامسة في رحلته الإبداعية وهي علاقة الفنون والفن التشكيلي والسينما بالرواية، وأثر التشكيل في صناعة الرواية، وقال أن "تجاربي في السينما محدودة، وسئلت في حوار صحفي عن اسهاماتي الروائية في السينما والتلفزيون فقلت : أنات مضرب مثل ولكن في الفشل، فقد فشلت في وضع قدم راسخ في عالم السينما والتلفزيون ، ولكن عالم السينما مهم جدا للكاتب وللمواطن، مشيرا إلى أن الرواية الحديثة لابد أن تستفيد من تلك الفنون وتعمق تأثيرها بما يستقطب حواس القارئ وينشط مخليته.
مداخلات قيمة
شهدت الندوة العديد من المداخلات، منها حجم المخيلة من السيرة الذاتية في العمل الروائي، وعلاقة الإبداع بالديمقراطية، وثنائية المبدع والناقد، والشهادة الروائية، والشعارية والسياسة ، والثورة الروائية العربية، وعلاقة الشعر بالرواية، وتأثير طغيان لغة الشعر على الرواية، وعلاقة الأديب والعزلة، وتأثير كورونا على المبدع العربي، وإبداع المرأة والربط بين حياة المبدع وحياته، وفلسفة الكاتب، والعلاقة بين الفلسفة والرواية.