الشارقة: الأمير كمال فرج.

في الوقت الذي يدور فيه الجدل حول القصيدة العربية، ومدى قدرتها على الصمود أمام تيار الحداثة الجارف،  يقدم الشعراء العرب تجاربهم الشعرية التي تجمع بين القديم والجديد والأصالة والمعاصرة، والتراث والحداثة، ليثبتوا أن القصيدة التي شكلت وجداننا الثقافي على مدى قرون، لازالت قادرة على التأثير والتحديث ومواكبة العصر، وملامسة الوجدان، وانتزاع كلمات الإعجاب.

نظم بيت الشعر التابع لدائرة الثقافة في الشارقة أمسية شعرية أمس شارك فيها ثلاثة شعراء هم : من سوريا محمد العياش، وعبدالكريم يونس، ومن الإمارات شيخة المطيري، وقدمها الشاعر نزار أبو ناصر، بإشراف الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير بيت الشعر، وقدم الشعراء الثلاثة تجارب شعرية إبداعية تميزت بجودة النظم، وتقديم الجديد على مستوى معالجة الفكرة، والصور التعبيرية.

نفحات من الشام

قدم الشاعر السوري عبدالكريم يونس عددا من القصائد تعددت أغراضها بين الوطنية والانسانية والعاطفية، تستوحي نفحات الشام، والياسمين الدمشقي، والاغتراب الإنساني، وتؤكد اتساع الأفق، والقدرة على التعبير عن مختلف التجارب الإنسانية، وتقديم صورة تعبيرية تلفت الانتباه، شارك الشاعر في العديد من الأمسيات والمؤتمرات الشعرية العربية، وصدر له ديوان "أنثى الخيال"

ـ يقول عبدالكريم يونس في قصيدته "حييت ياشام" :

"حييت ياشام من أنفاس ملتاح
يردد الشوق في صمت وإفصاح
من مهجة تتلوى في النوى مزقا
كأنها تتلوى في كف جراح
أواه ياشام ما في الصدر من حرق
ومن حنين بعمق القلب ذباح
إلا إليك بما ضمت نوازعنا
في سالف العهد من طيش وإصلاح
ياحضن عمري الذي فيه الشباب نما
وكان هدهدتي وفيح أدواحي
كل الدروب لها عهد بخافقتي
وكل روض له رسم بألواح
وكل نبع له مسرى بأوردتي
وكل كرم له راح بأقداحي
وللجميلات أطياف تراودني
يضعن عطرا كعطر المسك فواح"

ـ ويقول يونس في قصيدته "إليها بعد رحيلي" :

"غدا إن مرت الأيام من بعدي
ولم تجدى سوى طيفي
يحلق بين دواويني
ويوقظ سالف العهد
وإن راحت على خديك تحبو دمعة الذكرى
تفتش عن بقايا قبلتي الحرَى
ضعي كفيك فوق شقائق الخد
ولمي لؤلؤ الدمع ولا تبكي
ولكن رددي ما كنت قد سطرت من شعري وألحاني
وعودي حيث كان ملاذنا الحاني
وقولي كان ملاذي وشطآني
وقولي كان تشريني ونيساني
هنالك لم تزل في الركن أشيائي
وكأس الشاي والأوراق والقلم
فإن لامسها شوقا
سيشعر خدك الوردي بلمس يدي
فلا تتأوهي حزنا
ولا تتساقطي وجدا
ونامي صوب ديواني
على وتري وألحاني
وقولي كان أمواجي وشطآني
وقولي كان تشريني ونيسان

بوح المرأة

ألقت الشاعرة الإماراتية شيخة المطيري عددا من القصائد تعكس بوح المرأة الشعري الذي يتميز بسمات خاصة، مثل عمق المعنى، وجزالة الألفاظ، والتجربة الشعرية والوجدانية الصادقة.

وشيخة المطيري حاصلة على بكالوريوس اللغة العربية وماجستير في علم المكتبات والمعلومات ، وهي باحثة للدكتوراة في التاريخ والحضارة الاسلامية، ترجمت بعض قصائدها إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والبرتغالية والروسية، لها من الإصدارات الشعرية  "مرسى الوداد"، و"للحنين بقية"، و"يا أكثري واقلي"، و"أظن أنا".

ـ ألقت شيخة المطيري قصيدة استهلالية تعبر فيها عن علاقتها بالشعر، قالت فيها :

"من انطفاءاتي الكبرى ومن هربي
كذبت حين كتبت الشعر كان أبي
به تعلقت حتى ظن شاعرة
ولست إلاى تاريخا من التعب
لكن يتما سرى في طين ذاكرتي
فعدت أكذب إن الشعر كان أبي"

ـ وتقول شيخة المطيري في قصيدة "سيبحرون" :
"سيبحرون ولمنافي لغرقي
ويتركون على شاطي الهوى قلقي
أنا يد الموج لكن لست أملكني
سيبحرون ولن يبقى على أرقي
سأستفيق على رمل يحاصرني
يعيدني كلما بي باعد الطرق
وسوف تبقى معي ريح تذكرني
أني بقيت ووحدى لا سواى بقي
وحدي سأمنح نجمات السما ألقا
وهل سيقنع نجمات السما ألقي
سيبحرون وقالوا أنت وجهتنا
وطوقوا بالأماني ساحة العنق
وأنت خارطة أولى لمقصدنا
وأنت أول رسم في الهوى فثقي
سيرحلون ويبقى كل ما كتبوا
والبحر أصدق أنباء من الورق".

ـ نونية أخرى قدمتها شيخة المطيري تقول فيها :

"يسافر بي حزن ويرجع بي حزن
مطارات عمري لم تعد بعده تحنو
جلست على غيم السما وحيدة
أنوء بأمطاري وأصرخ يامزن
وكان كتاب ما على ضفة الهوى
يفتح أكمام المطارات كي أدنو
لكنه قد باع جلد عيوننا
فصرنا بل عينين لا قلب ولا أذن
وأذن في العير البعيدة صوته
فقامت تصلي خلف أسرابه عين
تقول لعل الله يلقي قميصه على الفقد
مذ أن هدها ذلك الوهن
أيا من تجلى في غياب سمائه
فييت كما أوهمتني أنك الأمن
أيا من تجلى ها أنا بعد بعده
يسافر بي حزن ويرجع بي حزن".

الأصالة والتحديث

ألقى الشاعر السوري محمد العياش عددا من القصائد العمودية التي تجمع بين الأصالة والتحديث على مستوى الفكرة والصورة الشعرية . والعياش درس الأدب العربي في جامعة دمشق، أصدر ديوانه الأول "أنت إحدى المعجزات".

ـ يقول العياش في قصيدته "الشارقة توأم الشمس" :

"لقد كانت الأرض كالغارقة
ببحر الظلام ولا بارقة
فشاء الله لها أن تستضاء
فأرسل آياته الخارقة
فأشرق بالشمس هذا الفضاء
فأشرقت بالشمس هذا الفضاء
وأشرقت الأرض بالشارقة
بلاد على العز قد شيدت
وقامت على الكلمة الصادقة
وبالقاسمي قد ارتفعت
فجبهتها للعلا شاهقة
علت فوق كل المدائن مجدا
على الأرض كالنخلة الباسقة
وأطعمت الخلق شهدا
فكل الخلائق من شهدها ذائقة".

ـ وقال العياش في قصيدته "العزباء والهاجس" :

"لقد تجاوزت من عمري الثلاثينا
وليس من عاشق للبيت يأتينا
سفينتي بدأت تدنو لشاطئها
تدنو لترسو من الإبحار في المينا
ما عاد بحري عميقا في أواخره
أصبحت أبصر في أعماقه الطينا
مواسم التين فوق الصدر قد نضجت
فهل سيأتي من يقطف التينا؟
أنا كريحانة في جوفها شغف
أن ألتقي رجلا يهوى الرياحينا
أعيش في غرفة وحدي كنرجسة
أقضي نهاري مع المرآة تزيينا
لم تبق تسريحة للشعر أعرفها
 إلا وجربتها تسعا وتسعينا
كالياسمينة أرخيه على كتفي حينا
وأضفره في بعضه حينا
سئمت عطري وأصباغي ومروحتي
وصرت أشعر أن المشط سكينا
تعبت من علبة المكياج من قلم
للكحل أفنيته رسما وتلوينا
هل أحمر الشفتين اليوم ينفعني
وهل أعيد إلى خصري الفساتينا"