رفيق الرضي*
كتابة السيرة الذاتية من أصدق الأعمال الأدبية، والأجمل فيها الدروس والتجارب المستقاة. كتاب "نساء ملهمات" عبارة عن جهد جماعي لمجموعة من الكاتبات والشاعرات المقيمات في دولة الإمارات العربية المتحدة، كاتبات لديهن شغف بالفكر والثقافة، وفيهن الشاعرة والفنانة التشكيلية والاختصاصية الاجتماعية، قدمت كل واحدة منهن تجربة خاصة عاشتها، ما جعل الكتاب باقة ورد مهداة للقارئ، الباحث عن تجربة عاشها ويعيشها آخرون، وكيفية التعامل معها.
لا يمكنني الكتابة عن كافة الشخصيات، لكنني سأتحدث عن ثلاث ملهمات على أمل أن أكتب عن الآخريات في مقالة لاحقة.
1ـ بشرى الغفوري
التصالح مع الذات، وتعدد المهام والمسؤوليات: يبقى الشغف الدافع للنجاح
شخصية أكثر من رائعة بأخلاقها، إيجابيتها، حرصها على مساعدة الآخرين، مثقفة وناجحة كربّة أسرة والدليل قناتها على "يوتيوب" التي جذبت عددًا كبيرًا من المتابعين وهي تقدم وصفات أكلات من المطبخ المغربي والعربي.
بشرى الغفوري شاعرة وكاتبة مغربية وصانعة محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، لديها شغف بالكتابة يجعلها تنسى نفسها وهي تكتب، قرأت لها عددًا من القصائد المليئة بالعاطفة، وفي كتابها الأخير "سلطانات في الظل" كتبت عن شخصيات عظيمة في التاريخ المغربي، وقد حرصت الكاتبة على أن تقدم الشخصيات كمؤثرات كان لهن دور كبير في كتابة تاريخ المغرب كما نقرأه اليوم.
عبرت الكاتبة عن تجربتها الخاصة وتنصح المرأة بالتعبير بحرية كاملة بلا خوف، وتحويل النقد السلبي إلى طاقة إيجابية دافعة تساعد على تحقيق الرؤى والغايات.
2ـ فوزية باصهي
للمرأة بصمتها في بناء المجتمع وإصلاحه : يمكن تجاوز التحديات ما دامت الإرادة قوية
يقال المرأة نصف المجتمع، ويقول آخرون هي المجتمع، وبتهميشها وكبت حريتها، يتم هدم المجتمع والأجيال القادمة، وهذا ما نشهده في بعض البلدان.
وجدت نفسها في مجتمع الرجل فيه كل شيء، وللمرأة دور ثانوي يتمثل في كونها ربة بيت، وهذا ما كان، لكنها وبعد فترة وجيزة وجدت نفسها أرملة في سن مبكرة من حياتها، ووقتها لم يتعد عمر أصغر بناتها وهو أربع سنوات.
كان لديها حل وحيد هو العودة إلى بلدها الأصلي حضرموت، ليقوم أهلها بتحمل مسؤولية رعايتها ورعاية بناتها الأربع، لكنها بصبرها، ببصيرتها، بإرادتها وحكمتها، صنعت المستحيل المتمثل في مواجهة تحديات الحياة وحيدة إلا من الإصرار على تقديم نموذج المرأة القوية التي تعطي بناتها كل شيء، لتكون الأم العظيمة التي تعوض بناتها عن فقدانهن والدهن.
بعد سنوات من الكد والتعب بدأت ثمار جهدها المتواصل في حضورها.. حفل تخرج بناتها ولاحقاً حصولهن على فرص عمل، ورغم كل هذا لم تنس ممارسة شغفها في العمل إختصاصية اجتماعية، والمشاركة المجتمعية الفاعلة في الأنشطة الثقافية المختلفة في دولة الإمارات لتكون بحق نموذج المرأة القادرة على العطاء رغم التحديات والمهام الصعبة.
إنها الاختصاصية الاجتماعية والكاتبة فوزية باصهي، التي تقدم الاستشارات الاجتماعية والأسرية، عضو مركز "اقرأ واستمتع" وجمعية حماية اللغة العربية، تم تكريمها في عدد من الفعاليات لدورها النشط في المشاركة المجتمعية رائدة وملهمة.
3ـ مريم كويس
المرض لا يشكل عائقاً: الإرادة قادرة على التغلب على التحديات وتحقيق النجاح
الملهمة الثالثة من المملكة المغربية الشقيقة وفي قصتها تحدثت عن تجربتها في التعامل مع مرض السكري الذي أصاب ولدها في عمر لم يتجاوز السنتين، لتجد نفسها مضطرة لقضاء ليالِ طويلة بجانب سرير ولدها، ووقت إبلاغها الخبر أغمي عليها من شدة الصدمة.
لم تترك الأمر للقضاء والقدر، بل حرصت على أن يحصل على تعليم جيد، وقبل أشهر فقط أكمل "وليد" المرحلة الثانوية بتقديرعالٍ ونسبة 95%، ويتقن أكثر من لغة بما فيها اللغتان العربية والإنجليزية.
أجمل ما لفت نظري في القصة هو تعامل الشاب "وليد" مع أسرته وأقرانه في المدرسة والحي، ويكفي ما وصفته والدته الشاعرة مريم كويس بالشهم الحليم، وما أجملها من صفة يحبها الله كما جاء في الحديث عن النبي محمد ﷺ لأشجِّ عبد القيس: إنَّ فيك خصلتين يُحبّهما الله: الحلم، والأناة.
ــــــــــــــــــــــــ
* شاعر وكاتب يمني