الرسالة بمعناها اللفظي والمجازي ـ أي رسالة ـ تتكون من معادلة محددة، هي : (القيمة + الوسيلة = الوصول)، إذا سقط أحد هذه العناصر اضطرب الأمر، ولم تعد الرسالة رسالة .
والوصول هو بلوغ الهدف المقصود، كل عمل يقوم به فرد أو جماعة له هدف، وإذا لم يتحقق الهدف انهارت الشركة وأفلست، وتم تسريح الموظفين.
والثقافة رسالة سامية شارك فيها الكتاب والمبدعون والمفكرون والفنانون على مر التاريخ، هي مجموعة من القيم الإبداعية التي وضعها الإنسان، وقدمها في شكل شعر أو رواية أو نحت أو موسيقى أو أفكار إنسانية.
والقيمة عنصر أساسي في الثقافة، لا شك، ولكن العنصر الأهم الوصول إلى الناس. القيمة بدون وسيلة توصلها، ستكون والعدم سواء، والإبداع ـ مهما كان مستواه ـ بدون متلقٍ يصبح نشاطا فرديا، هواية شخصية، كالذي يكتب يومياته، باليوم والساعة والدقيقة، ويحتفظ بها لنفسه في كراسة عتيقة، وهدفه الشخصي هنا هو الفضفضة.
المتلقي هو الهدف الكبير من هذه المعادلة الثقافية، فالرسالة لا تتم بدونه، وإذا غاب أصبحت الجملة ناقصة، بمعنى أدق أصبحت جملة غير مفيدة. تماما كالجواب الذي يكتبه صاحبه، ويرسله عبر البريد، ولكنه لا يصل إلى المرسل إليه.
هناك علاقة مطردة بين الإبداع والانتشار، فكلما زاد حجم وصول الإبداع إلى الفئات المستهدفة، كلما حققت الرسالة أهدافها. والعكس صحيح، كلما قل الوصول ، ضعفت الرسالة وأصبحت مثل الثمرة التي أسقطها الخريف.
كل الرسالات التي عرفتها البشرية، تسلحت بالعناصر الثلاثة، القيمة + الوسيلة + الوصول، حتى الرسالات السماوية، فبعد نزول القيمة المتمثلة في الكتب السماوية، كانت الدعوة، فأرسل الله رسلا يعرفّون بها، ويفسرون آياتها، ويوضحون أحكامها، ويعلمون الناس الدين والحكمة.
لقد عانت الثقافة العربية على مر العصور من مشكلة الوصول، وكان الإزدهار الثقافي الذي عرفته بعض العصور مرده الاهتمام بالتدوين والنشر والترجمة والرحلات.. الاهتمام بالوصول .
المشكلة يشترك فيها المبدع من ناحية والمؤسسات الثقافية من ناحية أخرى، فمن ناحية المبدع يكتفي البعض بالكتابة، ويعتقد أنه فعل ما عليه، وأن جهات أخرى يجب أن تهتم بنشر أعماله، وإيصالها للناس. نفس المشكلة تعاني منها المؤسسات الثقافية العربية التي اهتمت بكل شيء، وأهملت أهم عنصر وهو وصول الإبداع.
المتابع لعمل المؤسسات الثقافية العربية، سيكتشف أنها تعمل على العنصرين الرئيسيين وهما : القيمة والوسيلة، ولكنها أغفلت العنصر الأهم وهو المتلقي.
الكثير من الأعمال تميزت بالإبداع والفرادة والتنوير، ولكنها للأسف لم تصل إلا لبضع مئات من القراء. الكثير من الأنشطة الثقافية اهتمت بالشكل والمضمون وفلاشات التصوير، ولكن لم يسأل أحد عن حجم المستفيدين.
ربما السبب الاعتقاد التاريخي بأن الثقافة عمل تطوعي، مسئوليته تنحصر في الحكومات، يجب أن ندير الثقافة بفكر القطاع الخاص الذي يسعى حثيثا إلى السويق والترويج والربح.
ومن الأسباب أيضا مقاومة التطوير، والتمسك بالكتاب كوسيلة وحيدة للنشر، رغم ظهور وسائل عديدة للنشر أسرع وأكثر انتشارا وأقل تكلفة.
يجب أن نعيد ترتيب أولوياتنا الثقافية، ونؤمن بأن المتلقي عنصر أساسي في العملية الإبداعية، تماما كما أن المستهلك عنصر أساسي في العملية التجارية، وأن حياة الإبداع متوقفة على وصوله إلى الناس.
أما وسائل الوصول فهي كثيرة، ففي هذا العصر تتوفر العديد من مقومات النشر لم تكن موجودة لدى الأولين، فهناك النشر الإلكتروني، بإمكاناته المدهشة، ومنها رخص التكلفة، والانتشار الواسع، والتحديث والتفاعل اللحظي، وهناك أيضا وسائل الاتصال الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر ولينكد إن ويوتيوب وغيرها من الأدوات التي توصل الفكرة إلى كافة بقاعة الأرض بكبسة زر، وتحقق ملايين المشاهدات.
يجب أن نغير مقاييس الأداء والتخطيط والتقييم الثقافي ، ليكون "الوصول" مقياسا رئيسيا للنجاح، و"الانتشار" جزء رئيسي من العملية الإبداعية، ومؤشر أول من مؤشرات الأداء، بذلك تتحقق مقومات "الرسالة"، وتملك الثقافة العربية القدرة على التحليق والتأثير في كل مكان.