الشارقة: كتب.
صدر عن دار أوراق في الإمارات كتاب "ألوان القلوب.. لمحات من حضرموت" للدكتور عمر عبد العزيز مدير إدارة النشر في دائرة الثقافة في الشارقة، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات كان قد نشرها في جريدة 30 نوفمبر الصادرة في المكلا، خصصها الكاتب للحديث عن الملامح الثقافية الأنتربولوجية لحضرموت.
وحضرموت محافظة وسطى في اليمن ذات حواضر عريقة في التاريخ أزلية (بعبارة المؤرخين)، ولها ساحل على بحر العرب ممتد على مدى 120 كيلو متر تتركز عليه أهم مدن المحافظة، ما جعلها تاريخيا مفتوحة على العالم، وفتح الباب أمام أبنائها لركوب البحر مهاجرين مختلف أنحاء العالم ما جعلهم يكونون مجتمعات من حضرمية في آسيا وإفريقيا وأوروبا.
وتشير بعض المصادر إلى أن أنه في عام 1934 كان ربع أبناء حضرموت يعيشون خارجها، في أندونسيا وماليزيا والهند والقرن الإفريقي، وهذه الخاصية جعلت مجتمع حضرموت مؤثرًا ومتأثرًا بأطياف من التقاليد الثقافية للشعوب التي احتك بها.
قوس قزح ثقافي
وقد لاحظ الدكتور عمر عبد العزيز هذا التلوين الثقافي والفلكلوري الذي تتميز به مناطق حضرموت ومهاجِرها، فكان بالنسبة له نوعا من قوس قزح الثقافي، فرصده عبر تلك المقالات وسماها "ألوان القلوب" ليكون الاسم مطابقا لمسماه.
هذه الخاصية استشعرها الكاتب كما قال من خلال معايشته الأولى أثناء فترة الطفولة للحضارم المهاجرين إلى الصومال، الذين صبغوا "حي العرب" في مقديشو بصبغة حضرمية مميزة، فنشأ وهو الحمودي ابن الشمال اليمني، نشأ نشأة جنوبية حضرمية بالتقاليد والثقافة الشعبية، فأصبح كما قال "أعدُّ نفسي حضرمياً بالنشأة والتربية، وأنتمي إلى اليمن بالمعنى الواسع للدلالة الانتمائية، ولا أجد أي تعارض بين حموديتي الشمالية وحضرميتي الجنوبية وامتناني التاريخي للصومال، التي منحتني طفولةً ناعمةً، وإبحارات ثقافية لاتينية إيطالية وكوشية صومالية".
ثم تعمقت معرفة الكاتب بحضرموت عندما عاد إلى اليمن واستقر في عدن، وصارت له زيارات وسكنات على فترات في مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت التي يقول عنها: "وللمدن الساحلية حظّ وافرٌ في حضورات أقواس قزح الممتدة في السماء، ولعل مدينة المُكلا الساحلية وافرة الحظ في هذا الباب".
تنوع ثقافي
يرصد الكاتب مظاهر التنوع الثقافي المميز لحضرموت في لون الألوان خاصة ألوان المدن، كاللون الأبيض المميز لبيوت وقصور مدينة المكلا، والذي يقترن كما يرى الكاتب بلون ثقافي آخر هو أنساق الغناء بدءا بالسماع الصوفي في المساجد، مروراً بالمناسبات الدينية والاجتماعية، التي كانت تنعش الميادين والأروقة بأزكى اللحون الحضرمية، بشقيْها؛ التطريبي الساحلي، والحكمي المُنْبثق من بيئة حضرموت الداخل، وهذه الأنساق الطربية نقلها الحضارم معهم إلى ماليزيا والصومال والهند، وبثوها في مجتمعاتهم الخاصة لتنتشر بعد ذلك في مجتمعات تلك البلدان وتمتزج بلحونها وأضراب الغناء فيها.
ويتوقف الكاتب عند عدة شخصيات غنائية عرفها عن قرب كانت تمثل بحق الطرب الحضرمي مثل الراحل صالح سعيد باعيسى، وأحمد عوض ربشة، وعلي الخنبشي، وعلى مستوى اللون الشعري كان الشاعر خميس سالم الكندي في الصومال أكبر ممثل للشعر الحضرمي
صوفية حضرموت
ومن الألوان الثقافية الحضرمية التي يرصدها الكاتب أيضا ما أسماه "صوفية حضرموت"، التي تعبر عن معنى الوسطية النقية، وسطية تتأسس على الشافعية السنية المقرونة بالتصوف العرفاني المتصلة بعلم الكلام خاصة المذهب الأشعري السني، وتلك الكيمياء الوسطية الموزونة المتزنة تمدد سحرها في كامل الجغرافيا الأفريقانية والآسيوية، عبر قوة الدفع الناعمة للحضارم المهاجرين الذين حملوها في عقولهم وقلوبهم وتعاملوا بسماحتها واتزانها مع كل من خالطوه فكانوا مؤثرين بعمق.
ويقول الكاتب استدلالا على النموذج المهاجر: "ويكفينا هنا شاهداً ودليلاً؛ إسلامُ إندونيسيا الذي يمثل العمق الديمغرافي الأكبر في هذه الأمة، وسنجد أن النموذج الإندونيسي بخاصيته الإسلامية الوسطية، له امتداداته الذوقية والسلوكية في ماليزيا والهند، فيما ترجع تلك الحالة ببذورها الجنينية إلى المهاجرين من حضرموت".
الشخصية الحضرمية
وفي مقال آخر يتوقف الكاتب عند لون آخر من ألوان حضرموت وهو لون الشخصية الحضرمية، الذي يمثله الكاتب المسرحي الموسوعي علي أحمد باكثير والأمير صالح بن غالب وشخصيات كثيرة عرفها الكاتب واحتك بها واكتشف فيها ذلك الثراء والتنوع الجميل للشخصية المحافظة على أصالتها ومنابع النبل فيها والمنخرطة في الحياة والعلاقات المفتوحة على كل ما هو إنساني وجميل مثل صديقه عبد القادر باجمال وأحمد باقتاده والمرأة الحضرمية المشبعة بإتقان ألوان المطبخ الحضرمي عفاف زوجة صديقه عوض كرامة.
"ألوان القلوب.. لمحات من حضرموت" إبحار جميل بأسلوب الدكتور عمر عبد العزيز ذي الصبغة الصوفية المتدفق مع القلوب، في ألوان حضرموت التي لا تنتهي، وتزداد جمالا كلما تعمق المرء في تأملها حتى إن الكاتب يذكر أن من الألوان أن وديان حضرموت لها في كل اتجاهات أرض اليمن، إنه إطلالة رشيقة على حضرموت الحضارة الممتدة عبر الزمن المتوسعة عبر الجغرافيا بألوانها الرائقة.