يجب أن نفرق بين الإسلام، والتيارات السياسية الإسلامية، من المهم أن نفرق بين الدين العظيم عالي المكانة، والفرق، والمذاهب، والفتاوى، والحركات الدينية.
من الأمانة أن أفرق بين الإسلام كدين غيّر العالم، وبين جمعيات وأحزاب وأشخاص اتخذت من الإسلام ديكورا لتحقيق أهداف شخصية، يجب أن نتوقف عن العبث بالإسلام، وتحويله إلى أداة تتحرك وفقا للأهواء، والثقافة الشخصية والاجتماعية.
ورغم أن أركان الإسلام الخمسة معروفة، ليس هناك قانون يحدد المسلم الحقيقي، ويفرق بين المسلم الشكل والمسلم الموضوع، وكلمة "مسلم" تحرر بطريقة روتينية في البطاقات الشخصية. وللأسف أي تصرف يبدر من مسلم يلصق مباشرة بالإسلام. لا يحدث ذلك فقط في الغرب ولكن يحدث في الهند والصين وغيرها من بلاد العالم، فالإنسان أي إنسان سفير جيد أو سيئ لبلده وجنسه، ودينه.
الإسلام دين العقل، فإذا حكمت عقلك اكتشفت أن كل ما أقره الإسلام يتفق مع المنطق، حتى في أدق تفاصيل الحياة، ومن هنا كان الإسلام دين الفطرة الإنسانية. لذلك وجدنا جوهر الإسلام يطبق في العديد من الدول غير الإسلامية، وغياب الإسلام عن دول إسلامية خالصة.
ولكن ما حدث أن الإسلام الوسطي المعتدل الجميل تعرض إلى تجاذبات وتحريف وتأويل واستغلال، فظهر لنا على طرف المسلم الذي يؤيد الإرهاب، وعلى الطرف الآخر المسلم الذي يأكل الحقوق ويمارس كل الموبقات، ولا يأخذ من الإسلام سوى اسمه فقط.
وظهر على الساحة العديد من المذاهب والجماعات والتيارات المتنافرة والمتباعدة، فهناك الإسلام السني، وهناك الإسلام الإيراني، والإسلام الشيعي، وإسلام الدروز، وإسلام الجماعة الأحمدية القاديانية، والإسلام التركي، وإسلام السلفيين، وإسلام الإخوان المسلمين، والإسلام الصوفي، وإسلام جماعات سياسية كثيرة مستعدة لتحريك وتغيير أفكارها وتوجهاتها وفقا للمصالح.
قد يزعم البعض أن الأساسيات واحدة، والاختلاف في فروع وأشكال لا تؤثر على الجوهر، وهذا زعم غير مقبول، ومحاولة لإخفاء الاختلافات الهائلة.
المدقق في الاختلافات بين أشكال الإسلام الكثيرة يكتشف أنها كثيرة، تصل إلى الشيء ونقيضه. لذلك ظلت محاولات ومؤتمرات التقريب بين المذاهب مجرد بالونات إعلامية دون إنجاز حقيقي.
لقد أصبح الإسلام ـ بعد التحريف ـ للأسف الشديد وسيلة لترسيخ الظلم والقهر والفساد. لقد أصبح على يد المسلمين الجدد لصيقا بالإرهاب، والتطرف، واحتقار المرأة، والديكتاتورية، ومصادرة حقوق الإنسان. وأصبحت أعظم أمة أخرجت للناس أمة ذليلة عاجزة منقادة، لا تملك من أمرها شيئا.
يقول أنور العولقي أحد أركان تنظيم القاعدة في بلاد العرب، الذي قتل في عملية أميركية يمنية مشتركة "لا تشاور أحدا في قتل الأميركان. محاربة الشيطان لا تحتاج إلى استئذان"، وفي المقابل يقول الدين"من قتل نفسا بغير حق فقد قتل الناس جميعا".
يقول الإسلام الحقيقي "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". ولكن في بقاع كثيرة من دول الإسلام .. المسلم ـ باسم الإسلام ـ يظلم أخاه، ويسرقه، ويقهره، ويقتله.
الإسلام الحقيقي يأمر بالنظافة والتجمل، وارتداء أفضل الأثواب والتزين والتطيب عند لقاء الأهل، وعند الذهاب إلى المسجد، ولكن في المقابل هناك من يربي لحيته لتصبح طويلة شعثاء منفرة، وإذا اجتمعت اللحية الطويلة الغبراء والبدانة ستجد أنك أمام وحش صغير يخيف الأطفال.
الإسلام يأمر باحترام المرأة، والطفل، والشيخ، والحفاظ على البيئة، ومراعاة الحقوق حتى حقوق الحيوان، ولكن البعض ـ باسم الإسلام ـ يعنف المرأة والطفل، ويلقي القمامة في الشوارع.
الإسلام في كثير من الدول شعار جميل ولافتات وعناوين وأقنعة، وفي الواقع فهو ظلم وجور وعنف سياسي واجتماعي. الكثير من المجتمعات الإسلامية تمارس لعبة الأقنعة، فالإسلام عبادات وممارسات وشعارات، ولكن في المعاملات شيء مختلف.
استبدل المسلمون القرآن العظيم الدستور الإلهي برجال دين ومفتين ومقدمي برامج، رغم أن الإسلام الحقيقي لا توجد واسطة لله، ولا يوجد رجال دين أو كهنوت. لا توجد وساطة في الإسلام بين العبد وربه، قال الله تعالى "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداع إذا دعاني، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون".
يحدث ذلك رغم أن الإسلام "دين المعاملة"، وأن المسلم لا يكون مسلما إلا إذا صلحت نواياه وليس فقط أفعاله، والدليل على ذلك أنه يعتبر النظرة الخاطئة للمرأة بمثابة الزنا.
في ربيع الثورات العربية، وقفت "كل" التيارات الإسلامية ضد ثورة 25 يناير، وحرّموا الخروج على الحاكم، والتظاهرات، والمؤسف أن هذه التيارات التي وقفت ضد الثورة، أسرعت بعد نجاحها إلى القفز السريع بطريقة مضحكة عليها، ومحاولة الظهور بمظهر جيفارا. بل إن بعضهم ادعى لنفسه ألقابا خطيرة في كيان وهمي هو "مجلس إدارة الثورة".
الإسلام دين العدل أصبح على يد المسلمين الجدد يرسخ الديكتاتورية والعنف، والتسلط، ولا يعترف بالديموقراطية كما يدعي البعض بفخر.
ولا أدري ماذا يفعل المسلم الحقيقي، ماذا يفعل المسلمون الجدد الذين يدخلون الإسلام، فيكون مصيرهم وفقا للحظ، فهناك من يدخل الإسلام المتشدد المتطرف، الذي ينجب أجيالا مزودة بالأحزمة الناسفة، وهناك من يدخل إسلام الأحمدية المنحرف الذي يدعي أن محمد ليس آخر الأنبياء، وأن ميرزا الوقيداني هو الرسول الأخير، أو يدخل الإسلام عن طريق الشيعة الذين يسبون الصحابة، ويطعنون في أم المؤمنين عائشة.
هناك من يولد في ظل إسلام الميني جيب، وعلى النقيض هناك من يولد في ظل إسلام يخفي المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها، وهناك من يوصله "الحظ" أيضا إلى الإسلام الوسطي المعتدل.
من قتل أكثر من 3 آلاف شخص في اعتداءات سبتمبر 2001 كانوا مسلمين، ومن ذبح أكثر من 30 ألف مسلم في حماة السورية مسلمون، ومن حكم الشعوب المسلمة على مدى عقود طويلة بالحديد والنار مسلمون، وشعار "الله أكبر" يقوله "سيان" من يذبح خروفا في عيد الأضحى، ومن يذبح إنسانا في عملية إرهابية.
ضاع الإسلام الحقيقي الوسطي الجميل في حرب الفتاوى، والسياسة، والأهواء. قال تعالى "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله".
توقع الإسلام هذا الوضع منذ أكثر من 1400 عام، لذلك دعا إلى استفتاء القلب، فالإسلام دين الفطرة والعقل والمنطق، وهو لا يتعارض مع القيم الإنسانية العامة، .. لذلك فإن فتوى القلب طوق نجاة عندما تعلو الأمواج، وتبتعد اليابسة.