الآن .. المعارضة متوفرة في الأسواق، وتوجد منها أنواع كثيرة، فهناك معارضة بلاستيك، وأخرى استانلستيل، .. وتوجد أيضا معارضة أصلية "MADE IN JAPAN "، وأخرى صناعة صينية وتايوانية، وتوجد كذلك معارضة روبابيكيا استعمال طبيب.
المعارضة تأتي جاهزة التركيب، ومعها كتالوج باللغة العربية، معارضة بالزمبلك، بمجرد ضبطها، تتحرك وتنحرف يمينا أو يسارا، وتتشقلب، وتعمل "عجين الفلاحة"، تمشي على الأرض وعلى الأسقف، وكل الحبال. هناك معارضة دمها خفيف، وأخرى جادة متجهمة، وهناك معارضة أنثى، وأخرى ذكر، وهناك معارضة مخنثة، وتوجد معارضة جاهزة، ومعارضة "هاند ميد".
أدركت شركات الإنتاج العالمية حاجة السوق العربي إلى المعارضة، فقررت أن تبدأ خطوط إنتاجها في قطاع جديد يتوقع له الاقتصاديون أن يحقق المليارات سنويا.
حظيت خطوط الإنتاج الأولى بإقبال منقطع النظير، فرأيناها بسرعة تعمل بكفاءة في الدول العربية، حيث ساهمت إلى حد كبير في سد نقص كبير، فمع تطور الديمقراطية في العالم وازدياد الانتقادات العالمية للدول العربية، والمطالب بوجود معارضة نزيهة وأنظمة حكم ديمقراطية، زاد الإقبال على المعارضة "كده وكده" ، فالدول لا تستطيع المجازفة بإتاحة الفرصة للمعارضة الحقيقية، لأن ذلك يعني أن الشعب كله سيكون معارضة، ويتم حصار القلة الحاكمة في "خانة اليك" وفقا لقواعد الدومينو.
في الكثير من البلاد العربية توجد معارضة وأحزاب، ولكنها كانت دائما شكلية، لا تتحرك إلا بأمر النظام، ولا تعارض إلا بأمر النظام، لا تعطس إلا بأمر النظام، معارضة مستأنسة "ياختي كميله"، تم ترويضها لتكون جزءا من الديكور السياسي.
الدليل على ذلك أن تونس كان فيها معارضة قبل الثورة، وكانت فيها أحزاب، ولكنها كانت معارضة حكومية، مسحوق تجميل يجمل الصورة، وليس لها وجود فعلي على الأرض، وعندما تفجرت الاحتجاجات الشعبية والتي أطاحت بالدكتاتور زين العابدين بن علي، انكشفت المعارضة التونسية، واكتشف الناس أن المعارضة الحقيقية إما معطلة وممنوعة من العمل، أو تكوين الأحزاب داخل البلاد، أو منفية في الخارج.
اكتشف الناس أن المعارضة التي استمرت 22 عاما طوال فترة بن علي كانت معارضة تايواني، شكلها جميل، ولكنها تنكسر بسهولة، نفس الأمر في مصر والجزائر وليبيا وغيرها من الدول التي تعتبر الديمقراطية فيها مجرد شعار، في ظل أنظمة حكم فردية معمرة لم تخترها الشعوب.
في مصر ومع الاحتجاجات الشعبية السلمية التي وافقت 25 يناير والتي اصطلح عليه بـ "يوم الغضب" لم تشارك المعارضة المصرية الرسمية في الاحتجاجات، بل أصدرت البيانات الرافضة لها، وذلك إذعانا للحكومة التي تمسك بالحبل جيدا. أما المعارضة غير الشرعية التي تتمثل في مجموعة الإخوان "المحظورة"، فلم تشترك أيضا.
في مصر للمعارضة أن تهاجم وتنتقد، ولكن ضمن إطار لا يمكن أن تتخطاه، ليس ذلك فقط، ولكن تمكن الخبيثون من تفجير المعارضة من الداخل، فوجدنا لأول مرة جزءا من المعارضة يهاجم جزءا آخر من نفس المعارضة، وهو ما يمكن أن نسميه الصراع بين المعارضة الحكومية والمعارضة الشعبية.
وقد رأينا أمثلة لذلك في صراع إبراهيم عيسى رئيس تحرير "الدستور"، مع ملاك الصحيفة ورئيس حزب الوفد، والعداء الموجود بين حزب الوفد والإخوان، وغيرها من الأمثلة التي تؤكد أن المعارضة المصرية تم تفجيرها من الداخل.
في إعلانات الأحزاب التلفزيونية التي عرضت قبيل انتخابات مجلس الشعب 2010 ، لاحظت أن الإعلان التلفزيوني الترويجي لحزب الوفد ما هو إلا إعلان يمتدح الحزب الوطني .. إي والله، شاهد إعلان الحزب، واحكم بنفسك، يقول الإعلان "إيه فايدة حزب واحد يعدد إنجازاته"..!.
في مصر لا توجد معارضة حقيقية، وكيف توجد والأحزاب نفسها تتلقى مخصصاتها من الحكومة؟، كيف يمكن أن توجد معارضة والحكومة يمكن في لحظة أن تجمد حزبا كما حدث مع حزب العمل، وتوقف جريدته، وتسرح موظفيها؟.
كيف يمكن أن تستمع الحكومة إلى اقتراحات ومطالب الأحزاب، وتدرس برامجهم الانتخابية، وتستفيد منها، وهي أصلا لا تنفذ أحكام القضاء، .. العديد من الأحكام التي أصدرها القضاء ببطلان عضوية العديد من أعضاء مجلس الشعب لم تنفذ، فالحكومة لا تنفذ العديد من أحكام القضاء، وأحيانا تحاول الالتفاف على هذه الأحكام، كما حدث عندما أصدر القضاء بطلان بيع الدولة لأرض مشروع "مدينتي"، وقرار المحكمة ببيع الأرض بالتنافس، فبدلا من أن تذعن لحكم القضاء، وتحيل المتورطين في الصفقة للنائب العام، حاولت عمل عقد جديد باعت فيه الأرض لنفس المشتري.
ليس ذلك فحسب، ولكن بعض قطاعات المعارضة تعمل على تفتيت المعارضة نفسها، وتحويلها من عمل وطني هدفه التغيير للأفضل، إلى صخب وثرثرة وزعيق، جعجعة بلا طحن، بعض قطاعات المعارضة تقنع بدور الكمبارس، ولم تفكر في أداء دور البطولة مطلقا.
أي معارضة في الدول الديمقراطية يكون طموحها الحكم بتولي تعيين الحكومة، أو المشاركة في الحكم من خلال تعيين وزراء منها، إلا أن المعارضة الصيني طموحها فقط البقاء، حتى لو استمرت تعارض إلى الأبد، واستمر النظام يحكم أيضا إلى الأبد.
المعارضة في العالم المتقدم عمل وطني، ممارسة ديمقراطية صحية تمارسها كل قطاعات الشعب، فيمكن للمعارضة فجأة أن تكون حكومة، وقد تتحول الحكومة في لحظة إلى معارضة، ولكن المعارضة في العالم العربي كلمة سيئة السمعة، وظيفة قطاع عام، بلا رؤية أو منهج، أو هدف، "سبوبة" يستخدمها البعض لعمل قرشين، ضمادة يضعها البعض على أعين الوطن حتى لا يرى المستقبل المظلم.
المعارضات العربية صناعة صينية، شكلها جميل، ولكنها تنكسر ـ عند اللزوم ـ بسرعة ، معارضات "نصف كم" وفقا للتعبير الشعبي، لا تسمن ولا تغني من جوع، فئران تجارب حبيسة في قفص، وبعد انتهاء التجربة يتم التخلص منها بسرعة، وإحضار فئران جديدة.