هايد بارك المصريين | الأمير كمال فرج
كان من الطبيعي أن يكون أول مكان أتوجه إليه عند زيارتي للقاهرة أمس هو ميدان التحرير، الميدان الذي انطلقت منه ثورة 25 يناير العظيمة التي أسقطت نظام الرئيس السابق حسني مبارك، الذي يوصف بأنه أكبر الديكتاتوريات العربية، ودشنت مرحلة سياسية جديدة ستكون لها آثارها ليس فقط على مصر، ولكن على المنطقة العربية ككل.
في صالة الوصول بمطار القاهرة الدولي لافتتان أولهما تقول (يجب أن يتعلم شبابنا من الشباب المصري .. بتوقيع الرئيس الأميركي باراك أوباما)، والثانية (الشعب المصري العظيم يستحق جائزة نوبل .. بتوقيع الرئيس الأسترالي هانز فليشر).
الانطباع الأول للزائر إلى مصر ككل بدءا من مطار القاهرة، ومرورا بملامح المصريين في الشوارع والمترو والمحال التجارية أن مصر تغيرت ..، والتغيير هنا لم يكن إلى الأسوأ، كل الشواهد تؤكد أن التغيير كان للأفضل، في الشارع المصري الآن نوع جديد من الثقة والمسؤولية والوعي، وهناك أيضا نوع من الخوف على الثورة الوليدة، هذا الخوف الذي يزيد أحيانا عن اللزوم، وهو الذي يجعل البعض ينزعج من مشاهدة مشاجرة بين بائعين .. الانزعاج والاستنكار يبدو على الوجوه، وكأن المشاجرات بين الباعة لم تكن تحدث في عهد الرئيس السابق.
الانطباع الثاني الذي ينتابك أيضا هو أن المصريين يستعجلون حصد ثمار الثورة، فرغم شيوع الفخر بالثورة، هناك بعض الآراء التي تتساءل مشككة عما أحدثته الثورة من تغيير؟ هذا الانطباع السلبي لمحته على لسان سيدة مصرية تنتمي للطبقة الشعبية تراجع أحد البنوك في شارع رمسيس، عندما تمتمت قائلة "الثورة لم تغير شيئا"، وراحت تنتقد إجراءات البنك الخاصة بقرض حصلت عليه، ولكن موظف البنك بصبر وحكمة جلس مع السيدة، وشرح لها تفاصيل المعاملة، واتضح أن المعاملة سليمة والإجراءات طبيعية، ولا يوجد ما يدعو السيدة إلى الاعتراض.
نفس الحس السلبي لمحته في سؤال وجهه لي سائق تاكسي عندما قال مشككا "ما الذي فعلته الثورة؟" الحس السلبي نفسه قرأته في لافتة معلقة في ميدان التحرير تقول: (ثورة الغضب المصرية الثانية .. أنا ما حسيتش بالتغيير.. أنا نازل التحرير).
الانطباع الذي وصلني بقوة هو أن هناك فئة ليست قليلة من المصريين تستعجل حصد مكاسب الثورة، وتناست أن الثورة مازالت وليدة وإصلاح 30 عاما من الفساد لا يمكن أن يتم في شهر أو عدة أشهر.
لاحظت أيضا أن هذه الفئة الناقمة على الثورة من الفئة التي تأثرت أرزاقها مباشرة بأحداث الثورة كأصحاب المحال التجارية وسائقي التاكسي، وهذه الفئة يهمها ـ قبل الثورة وقبل أي شيء ـ في المقام الأول أن تعيش وتعمل وتحصل على ما يوفر لها العيش الكريم.
في طريقي إلى ميدان التحرير وجدت أمام نقابة المحامين فريقا تلفزيونيا يسجل لقاءات مع المواطنين حول قانون الانتخابات، توقفت لأتابع الحوار، طلب مني المذيع أن يسجل معي بعد أن عرف هويتي الصحفية، أتذكر أنني قلت (بداية أهنئ شعب مصر العظيم على ثورة 25 يناير وأقرأ الفاتحة على أرواح الشهداء، مصر اليوم أفضل وأجمل، أنا سعيد لأنني أرى هذا الجمع من المواطنين بمختلف فئاتهم يدلون بآرائهم بحرية).
سألني المذيع عن "كوتة المرأة" المقترح وجودها في قانون الانتخابات الجديد، والتي تعني تخصيص حصة للمرأة، وذلك دعما لتواجد المرأة في مجلس الشعب، فقلت: ( نحن نطالب ببرنامج انتخابي يواكب مصر بعد الثورة، وأؤيد تخفيض سن المرشح لمجلس الشعب إلى 25 عاما، فهذه الثورة صنعها الشباب، ويجب أن تتاح الفرصة كاملة للشباب، أما كوتة المرأة فأنا لا أفضل هذه الكوتة، لأن ذلك يفتح الباب لفئات أخرى عدة لتطالب بكوتة في مجلس الشعب، على سبيل المثال فئة ذوي الاحتياجات الخاصة ولهم الحق في التمثيل بالمجلس. هذه الكوتة قد تكون مقبولة في العهد السابق, عهد الإعاقة السياسية، الحياة المصرية ستكون قادرة على إفراز السياسيين الذين يمثلون الشعب، بغض النظر عن الكوتة).
وعندما سألني المذيع عن رأيي في الإبقاء على نسبة العمال والفلاحين بالمجلس قلت: (نفس الكلام أقوله بالنسبة لتخصيص نسبة العمال والفلاحين فالشعب المصري واحد، والحركة السياسية المصرية عندما تنضج لن تكون بحاجة إلى هذه التصنيفات الفئوية، وستنجح في تقديم الممثلين الحقيقيين للشعب أيا كانت فئاتهم).
الجدير بالذكر أن الأحزاب المصرية أصدرت بيانا أمس تؤكد فيه رفضها لقانون الانتخابات الذي جمع بين القائمة الفردية والنسبية
مزيج من المشاعر انتابتني، وأنا أصل إلى مشارف ميدان التحرير قادما من ميدان رمسيس مشيا، حيث لم أتخل عن هوايتي المرهقة، وهي المشي في شوارع القاهرة حتى لو كان مقدار ما أمشيه 3 محطات بالمترو هي المسافة بين محطة الشهداء ـ "حسني مبارك سابقا" والتي مازالت تعرف لدى المصريين باسمها القديم "ميدان رمسيس" نسبة إلى تمثال رمسيس القديم الذي كان منتصبا في الميدان ـ ومحطة السادات "ميدان التحرير".
مزيج من مشاعر الفرح والحزن، الفرح بثورة 25 يناير التي أعادت الأمل في مستقبل جديد، والحزن على سقوط الشهداء الذين سقوا بدمائهم شجرة الحرية. تذكرت بيت أمير الشعراء أحمد شوقي الذي يقول: "وللحرية الحمراء بابٌ .. بكل يدٍ مضرجةٍ تدقُّ).
الحركة في الميدان طبيعية وعادية، فحركة السيارات سلسة، والمحال تفتح أبوابها، والزحام هو نفسه الزحام المعهود في هذه الفترة من العام، التاكسيات المصرية الحديثة التي يغلب عليها اللون الأبيض سيطرت على المشهد، بعد غياب التاكسيات المصرية التقليدية السوداء، وذلك بعد عملية إحلال الجديد بدلا من القديم، المتابع للميدان سيشاهد مشهد الزحام المألوف، ومن الأشياء المألوفة أيضا زفة عريس وعروس يركبان سيارة مكشوفة، تتصدر قافلة من السيارات في الميدان.
في حدائق الميدان توجد مجموعة من الخيام لا يتعدى عددها الخمس عشرة موزعة على حدائق الميدان وإن كانت تتركز ناحية مجمع التحرير والجامعة الأميركية بالقاهرة. إضافة إلى لافتات قماشية وبلاستيكية موزعة بعضها على الخيام والبعض الآخر معلق بين أعمدة الأشجار.
إذا توغلت بين الخيام المتناثرة سترى تجمعا للمواطنين حول مراسل إحدى القنوات الفضائية "الفضائية المصرية" يسجل حوارا تلفزيونيا يستطلع من خلاله آراء المعتصمين، ومحررة صحفية تسجل رأيا لشاب آخر، وفي زاوية من الميدان شاب صغير يلقي قصيدة وطنية حماسية والجمهور يستمع إليه بإنصات، في مشهد يذكرك بحديقة هايد بارك في لندن التي تعد ساحة للتعبير عن الرأي، عندما سألت الشاعر الصغير عن القصيدة التي ألقاها هل هو كاتبها أم هي لشاعر آخر؟، .. أخبرني أنها قصيدة للشاعر مريد البرغوثي.
العبارات الموجودة على اللافتات هي: (نقول لمن يكيد بمصر وشعبها لن تفلح أبدا ودم شهدائنا لن يضيع هباء)، و(ثورة الغضب المصرية الثانية .. الثورة مازالت مستمرة)، و(لا لعودة إرهاب الشرطة للمواطنين)، (المستشفى الميداني)، (المحاكمة الشعبية .. الجبهة الحرة للتغيير السلمي)، ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون .. القصاص لمن قتل الشهداء والأبرياء .. ضرورة المحاكمة العلنية للقتلة .. تضامنا مع أسر الشهداء ومصابي الثورة).
بعض المواطنين خارج منطقة الاعتصام يتذمرون من وجود هؤلاء، ويدخلون في نقاشات مع هؤلاء المعتصمين، تدخلت في الحوار، وقلت : (هذا مشهد لم تعرفه مصر من قبل .. هذه هي الحرية الحقيقية .. دعوا كل من لديه رأي أن يقوله .. هذه الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات تحدث في أرقى دول العالم .. تحدث في إسبانيا وفرنسا وإنجلترا .. وهي علامة على المناخ السياسي الصحي .. المهم أن يكون التظاهر سلميا وألا يقع المتظاهر في الخطأ).
الموجودون في منطقة الاعتصام خليط من مختلف الاتجاهات، فهناك خيام لحركات سياسية مثل "كفاية"، وهناك شباب يريد التعبير عن رأيه في أهمية تنفيذ القصاص في رموز الحكم السابق، والتأكيد على مكتسبات الثورة، وهناك شباب وعائلات تقول إنها من عائلات ضحايا ومصابي الثورة ويطالبون الحكومة بتعويضات، البعض منهم قد يكون صاحب حق، والبعض الآخر قد يكون مطالبا بحق ليس له، وذلك بالادعاء بأنه من مصابي الميدان للحصول على تعويض، كما أخبرني أحد الشباب الذي تعرفت عليه في الميدان، وهناك مراسلو صحف مصرية وعربية.
الغريب أن الحكومة أعلنت اليوم عن تخصيص 600 مليون جنيه لشهداء الثورة والمصابين، مما يؤكد أن الدولة تضع شهداء الثورة والمصابين بسببها في الحسبان.
خوف المصريين على مكتسبات ثورتهم قد يكون مبررا في بعض الأحيان، ولكن في المقابل تتوالى تأكيدات المجلس العسكري حول إصراره على تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة، الفريق سامي عنان أكد في لقائه مع رؤساء الأحزاب أمس على العلاقة الوطيدة بين الجيش والشعب، وأن الجيش مصر على العبور بمصر إلى عهد جديد من الحرية والديموقراطية.
إذا أردت السلامة وأنت داخل منطقة الاعتصام فأنصحك بإخفاء شخصيتك الحقيقية ومكان عملك، لأن الآراء هنا متضاربة ومتعددة، ومن المؤكد أنك لن ترضي أحدا، فعندما سئلت مرة عن الجهة التي أعمل فيها ذكرت اسم صحيفة قومية، فوجدت اعتراضات على الصحف القومية نظرا لموقفها في البداية المعادي للثورة. وعندما سئلت في موقف آخر عن جهة عملي ذكرت اسم صحيفة خليجية، فقوبلت أيضا بآراء ناقدة وتساؤلات عن مدى الحرية في هذا البلد.
لذلك من الأفضل عدم التصريح بجهة عملك وتوجهك السياسي حتى تتحرك بحرية وتتجنب الدخول في نقاشات تكون فيها في موقف المدافع عن نفسك.
الأعلام المصرية والشعارات الثورية منتشرة على واجهة المحلات والحيطان، على أسوار الميدان انتشر باعة التذكارات الوطنية الذين يبيعون الأعلام المصرية بألوانها المميزة، إضافة إلى أعلام عربية، كذلك التذكارات والتعليقات وأغطية الرأس والتي شيرتات المكتوب عليها عبارات تمجد الثورة وتعبر عن الاعتزاز بمصر.
العلم المصري صغير الحجم يباع بخمسة جنيهات، أما العلم الكبير والمطرز والمصنوع من خامة جيدة فيباع الحجم المتوسط منه بـ 50 جنيها، والحجم الكبير بـ100 جنيه، والتذكارات تتراوح أسعارها من 5 جنيهات إلى 30 جنيها. أما التي شيرت فيباع بـ 20 جنيها.
الأطفال يمكن أن يحصلوا على رسم على الوجه يقوم به أحد الشباب يتضمن اسم مصر أو رسم علم صغير يضفي الفرحة على قلوب الصغار.
الشوارع المصرية تعكس سخونة الوضع السياسي في الدولة، يتضح ذلك من العناوين التي تقدمها لافتات تنتشر هنا وهناك، على واجهة مبنى نقابة المحامين لافتة عليها عبارة (الشعب يريد إقالة يحيى الجمل)، وفي بهو نقابة الصحفيين تنتشر لافتات عليها عبارات هي: (مقر اعتصام صحفيي الحقيقة والأمة وآفاق عربية تضامنا مع زملائهم المضربين عن الطعام بمكتب الدكتور يحيى الجمل بمجلس الوزراء)، و(المؤسسات الصحفية القومية مازالت عزب مملوكة لفلول الحزب الوطني ، وستظل كذلك ما لم يتم إعدام قتلة أبناء الوطن من المجرم مبارك ورجاله .. صحفيو الحقيقة والأمة وآفاق عربية)، و( زملاؤنا المضربون عن الطعام ساءت حالتهم الصحية ومجلس النقابة يتفرج .. صحفيو الحقيقة والأمة وآفاق عربية) ، (أحمد محمد محمود .. أول شهيد في الصحافة المصرية).
أخلاق المصريين مازالت حية، فمازال ركاب المترو يقفون لإتاحة الفرصة للنساء وكبار السن للجلوس في بادرة تدل على احترام المرأة وكبار السن، وهي نفسها الأخلاق التي عرف بها المصريون، وهو يناقض أحد الآراء التي تقول إن الثورة أظهرت أسوأ ما في المصريين، في إشارة وتعميم خاطئ لأحداث البلطجة التي يمارسها البعض.
أخلاق الميدان أيضا كانت حية في نفوس الثوار والمتظاهرين، روى لي أحد الشباب الميدان أن أحد البلطجية كسر مرآة سيارة سائق تاكسي، فقام الشباب بجمع ثمنها من جيوبهم.
كل الشواهد تؤكد أن الثوار الشباب الذين قاموا بالثورة متمسكون بالأخلاق والتظاهر السلمي من اللحظة الأولى وحتى الآن. أما الأحداث السلبية المؤسفة التي شهدتها الثورة فهي لم تصدر من الثوار، ولكن قام بها فئات هدفها إجهاض الثورة وتشويه وجهها الناصع المضيء.
الكثير من الشباب في القاهرة والمحافظات يستعدون للمشاركة بعد غد الجمعة في مليونية أطلقوا عليها "جمعة القصاص" للمطالبة بالقصاص من الرئيس السابق ورموز حكمه، وذلك اعتراضا على بطء محاكمات هذه الرموز الفاسدة.
وقد جاء الحكم ببراءة بعض مسؤولي النظام السابق في بعض هذه القضايا، والإفراج عن بعض الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين على ذمة القضية مبررا للكثيرين لإعلان النية في النزول إلى ميدان التحرير والمشاركة في جمعة القصاص.
يحدث ذلك رغم قيام النائب العام المصري أمس بالطعن في أحكام البراءة التي أصدرها القضاء لصالح بعض رموز النظام السابق، والإفراج عن الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين.
أحد كبار السن قال لي "يجب أن ترابض في الميدان مبكرا، فقلت له هل تعني قضاء ليلة الخميس فيه، قال لي: "يمكن أن تحدث مفاجآت"، فدب الخوف داخلي من وجود نية مبيتة لدى البعض لإفساد المظاهرة المليونية السلمية، كما حدث سابقا من فلول النظام السابق أو ممن اصطلح على تسميتهم بـ "البلطجية". خاصة أن هذه التظاهرة تعقد بعد أسابيع قليلة من حل المجالس المحلية التي كان 90% من أعضائها من أعضاء الحزب الوطني المنحل.
أحد الشباب طمأنني، وقال لي إن هناك 3 آلاف شاب سيقومون بتنظيم الدخول إلى الميدان بعد غد الجمعة والاطلاع على وثائق الشباب المشارك في المظاهرة للتأكد من عدم دخول فئة من المندسين والمخربين الراغبين في إفساد هذه الممارسة الديموقراطية.
مازال هاجس غياب الأمن موجودا رغم العودة الجزئية للشرطة للميادين والشوارع الرئيسية، سائق تاكسي اشتكى من غياب الشرطة، وبائع تذكارات في ميدان التحرير أخبرني أن الشرطة غير موجودة في الميدان، حيث فضل المجلس العسكري إسناد الأمن إلى شباب الثورة، وذلك نظرا للأحداث التي وقعت في الميدان منذ أيام عندما حاول بعض الأشخاص المشكوك في توجهاتهم التحرش بالشرطة، وإثارة الفوضى، مما أوقع عددا من المصابين يفوق الألف مصاب.
الشرطة موجودة بشكل جيد في شوارع مثل شارع فيصل والأماكن السياحية والمنشآت الفندقية. ولكن التواجد الكامل لم يتحقق بعد.
أحد الباعة في ميدان التحرير علل الأمر بأن المواطن المصري مازال يحمل الشرطة المسؤولية الكاملة عن قتل المتظاهرين. إضافة إلى التاريخ السيئ للشرطة في التعامل مع المواطنين، وهو تاريخ لا يمكن أن يمحى بسهولة. واقترح البائع أن تتولى الشرطة العسكرية مهمة الأمن بدل من شرطة وزارة الداخلية، لأن الجيش المصري مازال يحظى بالاحترام من قبل المواطنين.
في محطة مترو محطة الشهداء "التحرير" تحت الأرض يطالع الزائر معرضا عن الثورة عبارة عن لقطات فوتوجرافية تترجم مشاهد من الثورة، الصور كثيرة ومؤثرة تقدم في دقائق تفاصيل الثورة المصرية العظيمة.
مؤسسة التحرير للصحافة والنشر الناشرة لصحيفة الجمهورية علقت على مبناها الرئيسي في شارع رمسيس لوحة كبيرة لشهداء ثورة 25 يناير، ..لوحة أخرى مرسومة على أحد الجدران تمثل شابا يرفع علامة النصر، وبجوارها عبارة تقول (الشهيد إسلام رأفت .. 17 سنة توفي يوم 28 يناير 2011 بعد أن دهسته سيارة ميكروباص بجوار وزارة الداخلية).
ومع غلبة اللوحات المؤيدة للثورة، التي تعظم الشهداء، هناك لوحات قليلة ناقدة، منها لوحة رسمت على جدار أحد الأبنية في ميدان الفلكي بباب اللوق مدون عليها العبارة التالية (الحرية لعمرو البحيري .. أنا في السجن الحربي لأنني شاركت في الثورة).
في محل "كنتاكي" المطل على ميدان الزحام هو نفسه الزحام قبل الثورة، وفي مطعم "الشبراوي" الموجود في شارع التحرير أحد الشوارع المتفرعة من الميدان نلمح نفس الزحام، وفي مطعم "جاد" الموجود في ميدان الفلكي القريب من الميدان، نرى نفس الزحام، ولكن القاسم المشترك في المطاعم الثلاثة هو الابتسامة التي تقابلك. هناك حفاوة واضحة بالزبون لم تكن بهذا الوضوح من قبل.
الإعلام المصري الذي طالما وجهت إليه الانتقادات قبل الثورة وبعدها، تغير، فأصبح حرا في مناقشة كل الملفات، أصبح يطرح الأوضاع السياسية في الدول العربية بكل حياد وصدق، ويسمي الأسماء بمسمياتها الحقيقية، بدون مجاملة ومحاباة، على سبيل المثال الإعلام المصري الآن يهاجم النظام السوري، وقبل النظام كان الإعلام يمكن أن يغض الطرف عن جرائم نظام معين مادام وصف هذا النظام بالصديق.
نفس الأمر يحدث مع ملفات اجتماعية وسياسية واقتصادية عدة كملف قيادة المرأة السعودية للسيارة وغيرها من الموضوعات التي أصبح الإعلام فيها حرا لأول مرة.
بعد سنوات طويلة من منع أسماء معارضة معينة من الظهور على شاشة التلفزيون المصري، بدأ الإعلام المصري في فتح أبوابه للجميع، فشاهدنا لأول مرة حمدي قنديل وصفوت حجازي ورموز الإخوان. وهذا كله بدأ في الانعكاس على مصداقية الإعلام المصري.
وشهدت مصر بعد الثورة ظهور إعلام جديد يمكن وصفه بـ"إعلام الثورة"، فظهر العديد من القنوات الفضائية الجديدة مثل "التحرير" و "25 يناير" و"العاصمة" و"المصري"، و"المحروسة"، وغيرها ..،"، كما ظهر وصف المصرية لأول مرة في وصف قنوات فضائية عربية جديدة موجهة خصيصا لمصر، مثل القناة التي أطلقتها قناة الجزيرة باسم "الجزيرة مصر" ، والقناة الأخرى التي أطلقتها مجموعة قنوات روتانا باسم "روتانا مصرية".
تعد عودة السياح العرب والأجانب التحدي الحقيقي للحكومة المصرية، بعد أن تأثر قطاع السياحة تأثرا كبيرا بأحداث الثروة، الزائر للعاصمة المصرية يلمس بدء عودة حركة السياحة، فهناك سياح أجانب وعرب، الأماكن السياحية ما زالت متأثرة. مطعم ماكدونالدز الموجود في الملحق التجاري لفندق رمسيس هيلتون الحضور فيه عادي ولم يصل إلى الوضع ما قبل الثورة. قاعة سينما رمسيس هيلتون المجاورة تشهد حضورا أقل من العادي خلال عرض فيلم "سامي أكسيد الكربون" للنجم هاني رمزي.
في ميدان عبدالمنعم رياض الذي شهد أحداث الثورة والمجاور لمبنى المتحف المصري ظهرت عربة رفع حكومية وهي ترفع هيكل سيارتين قديمتين مدمرتين، وذلك في إطار إزالة آثار الاحتجاجات خلال الثورة.
مبنى فندق النيل الريتز كارلتون المطل على الميدان بدأ عمليات تجديد شاملة. بينما مازال مبنى الحزب الوطني السابق الذي مازالت تبدو عليه آثار النيران منتصبا بجوار الفندق شاهدا على أحداث الثورة، والذي قام المتظاهرون بحرقه خلال الأحداث.
مصر بدأت في العودة إلى طبيعتها العفوية، فالأمل عاد إلى الوجوه، ورغم انزعاج البعض من المظاهر الاحتجاجية التي مازالت مستمرة في ميدان التحرير، إلا أن البعض يرى أن هذه أحد ملامح المرحلة الجديدة لمصر الجديدة كليا، التي يستطيع كل مواطن فيها أن يدلي برأيه لأول مرة بحرية.
صهيل
إستطلاع
مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
نعم
69%
لا
20%
لا أعرف
12%
|
المزيد |
افضل مافى الويب
خدمات