ثورة 25 يناير زلزال قوي بلغت قوته 100 درجة على مقياس الشعوب، حرك القشرة الأرضية، فسقطت عروش، وتهدمت بيوت وكباري ومنشآت عملاقة، وتحركت مدن من مكانها.
في العالم العربي لا تتغير الأنظمة إلا بزلزال قوي مدمر، لا تتغير بالحوار و"الهداوة"، أو صناديق الانتخابات كما يحدث في العالم الحر، في بلادنا العربية لا تحصل الشعوب على حريتها بالحسنى وبالقانون، والعدالة، وحرية الرأي، ولكن تحصل على حريتها بالحديد، والنار، ودماء الشهداء.
أخطأ النظام عندما زور وقمع وأخرج المعارضة في الشارع، وجلس على الطاولة، معتقدا أن الأمور استتبت، وأنه سيتمكن من الاستئثار بغنيمته .. وهي الوطن. أخطأ عندما ترك إعلامه يضلل ويزيف ويخفي الحقيقة، ودفع رموزه ليجلسوا على الطاولات يتشدقون بأن "كل شيء تمام"، رغم أن الأكواب كانت تهتز، والزلزال القوي بدأ يرسل شواهده، .. وفي 25 يناير بدأ الزلزال الذي حطم المعبد على أصحابه، وتسبب في موجات تسونامي هادرة.
قبل الثورة بأسابيع جلست الأستاذة الجامعية وعضو مجلس الشورى تتحدث في أحد البرامج، وراحت ـ كعادة قيادات الحزب الوطني ـ تقلل من نسبة الفقر في مصر، وتحاول أن تعيد تعريف الفقر ..، بهدف التقليل والتهوين من المشكلة.. كانت المائدة تهتز .. ، أقسم أنني شعرت باهتزازها، وأنا أشاهد الحلقة على بعد ملايين الأميال من الأستديو .. ، فكيف لم تشعر السيدة ولا المذيع ولا العاملون في الأستوديو بالهزة السياسية المقبلة؟.
الزلزال المصري ـ كأي زلزال ـ له هزات ارتدادية، وهي هزات تتبع الزلزال الأصلي، وسيمتد أثرها إلى دول ومناطق أخرى، وإذا كان للشعب التونسي السبق في إشعال شرارة الغضب الأولى، عندما أحرق محمد البوعزيزي جسده مطلقا فكرة الفناء، فإن مصر كانت المصنع الذي أخذ الفكرة، وأنتجها، وصدّرها في مختلف الاتجاهات.
أطلقت مصر بثقلها المركزي والحضاري فكرة الثورة، فانتشرت، كما سبق لها أن أطلقت الفيلم والأغنية واللهجة والعادات الاجتماعية، فكان للثورة المصرية تأثير مضاعف، ونظرا للتأثير الكبير الذي تفرضه مصر، يحاول البعض تقويض الثورة المصرية، وإفشالها، والتشهير بها، لأنهم يعلمون أن نجاح ثورة مصر، وتحول أكبر دولة عربية إلى الحرية والديمقراطية، سيكون بداية لشرق أوسطي جديد حر ديمقراطي.
وانتقلت كرة النار من مصر إلى اليمن وليبيا وسورية،.. وأصبح شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، الذي كان الشعار الرئيسي لشباب ميدان التحرير شعارا لكل الشباب العربي الباحث عن الحرية، كما أصبحت جمع الغضب والرحيل والاستقرار والعدالة مسميات ثابتة في ثورات الشعوب، وخرجت كرة النار من حدود العالم العربي، عندما رفع المتظاهرون شعارات تستشهد بالثورة المصرية، كما حدث في المجر عندما رفع متظاهرون لافتات تقول "بوسعنا أن نفعل كما فعل المصريون".
وإذا كانت الثورات العربية قد شهدت قواسم إيجابية مشتركة .. ، فإنها شهدت أيضا قواسم سلبية مشتركة، مثل محاولة الأنظمة إسناد الثورة إلى قوى خارجية وعصابات، كما أقدمت الأنظمة على تصرف واحد وهو إسقاط الحكومة.
والغريب أن تعبير "البلطجية" الذي تردد في ثورة مصر تكرر أيضا في دول أخرى مثل سورية واليمن الذي ظهر فيه اشتقاق غريب له وهو "البلاطجة"، رغم أنه تعبير شعبي لا يوجد إلا في مصر. وفي إطار حالة التخبط التي يعيشها النظام الذي يثور ضده الشعب، حاول البعض إقحام مصر والمصريين، كما فعل سيف الإسلام القذافي عندما اتهم المصريين والتونسيين بأنهم وراء ثورة ليبيا، وكما حدث من رئيس الوزراء الأردني معروف البخيت الذي اتهم الإسلاميين في الأردن بأنهم وراء الاحتجاجات التي شهدتها عمان، وقال إنهم يتلقون تعليماتهم من مصر. نفس الأمر حدث من الرئيس السوري بشار الأسد عندما أوقف نظامه مهندسا مصريا بتهمة التجسس لحساب أمريكا، وكان الدليل القاطع الدامغ الذي وجده النظام السوري في يد المهندس المصري المسكين "جهاز جوال بكاميرا".
للثورة المصرية تبعات ، بعضها ظهر ، والبعض الآخر سيظهر في المستقبل القريب، لقد كانت ثورتا تونس ومصر أول ثورتين عربيتين قادتهما الشعوب. أول ثورتين تنجحان في فرض الحرية والديمقراطية بعد تاريخ القمع العربي الطويل والمرير، وهاتان الثورتان أدخلتا الرعب في نفوس الكثيرين، وقد دفع ذلك حاخام يهودي إلى التحذير من تبعات الثورة المصرية، مؤكدا أن الدول المحيطة بإسرائيل تهتز، وأن إسرائيل ليست بمنأى عن التأثر، محذرا من زحف يقوم به نصف مليار مسلم لتحرير القدس.
الزلزال المصري وإن كان قد انتهى بتغيير النظام، وبدأ مرحلة جديدة من الحرية والديمقراطية، ستكون له ـ تبعا للقاعدة الجيولوجية ـ تبعاته وهزاته الارتدادية داخل مصر وخارجها.
ستظل الثورة المصرية ثورة رائدة تلهم شعوب العالم الباحثة عن الحرية التواقة للتغيير، ليسجل التاريخ بجوار مانديلا وتشي جيفارا ومالكوم أكس أسماء عربية مصرية ثارت على الظلم، وأسقطت الدكتاتورية، وأطلقت عصرا جديدا من الحرية في أمة العرب.