طموحات مصر بعد الثورة كبيرة وهائلة، لقد حررت الثورة المصرية الحلم المصري، وبعد سنوات طويلة من مصادرة الأحلام، وتحقق الحرية أعظم الأحلام ، ارتفع سقف الطموح المصري، وهذا منجز كبير، لأن الإنسان الناجح هو القادر أولا على الحلم، ومن ثم العمل على تحقيق الحلم.
أضف إلى ذلك الضغط الشعبي الذي يتعجل قطف ثمار الثورة، والمطالبات الفئوية التي كثرت، ونلوم أصحابها، ونتجاهل كونها نتيجة طبيعية لتاريخ الظلم الذي تعرض له المصريون طوال الثلاثين عاما الماضية.
لذلك كله فإن الأداء التقليدي لن يحقق شيئا، وحتى نتحرى الدقة لن يحقق الطموحات الكبيرة، لذلك فإن المطلوب أداء غير عادي. إذا أردنا أن تنهض مصر خلال 10 سنوات كما نهضت كوريا الجنوبية، أو خلال 20 سنة كما نهضت ماليزيا يجب أن نقدم رؤية مختلفة وأداء غير عادي.
الأمر يشبه الفرق بين العداء الذي يركض في المضمار الركض العادي، وبين عداء يقفز قفزة كبيرة عالية باستخدام "الدانة".
نحتاج إلى "دانة" اقتصادية تقفز بمصر قفزتها الكبرى في العصر الحديث.
وهذه القفزة تتطلب البحث عن طرق جديدة ووسائل مبتكرة منها:
1ـ العمل التطوعي :
للعمل التطوعي دور مهم في العديد من الدول ، ففي أميركا مثلا تبرع الشعب الأميركي بـ 291 مليار دولار للأعمال الخيرية عام 2010 ، في بعض الدول تحول التطوع من اختيار، ورغبة شخصية إلى ثقافة عامة، وفضلا عن ثواب التطوع ، فإنه يمكن أن يحقق الكثير للوطن، مثل تخفيف الضغط على ميزانية الدولة ، وإشاعة مبدأ المشاركة، وتعزيز الانتماء وقيم التعاون.
والشعب المصري شعب محب لبلده، بل أننا نزعم أنه أكثر الدول حبا لبلده، الجنسيات الأخرى تغادر بلادها للعمل أو الهجرة وتستوطن في بلاد العمل، أما المصري فعندما يسافر يكون حلمه الأساسي العودة لبلده، لبناء دور ثان في منزل العائلة، أو افتتاح مشروع صغير. أو "تحجيج" والده ووالدته.
والمصري لا يبخل على وطنه، بل أنه مستعد دائما للتضحية من أجلله. ولكن المشكلة تكمن في أنه فقد الثقة في حكومته وأجهزته الرسمية . خاصة بعد تفشي الفساد على مدى 30 عاما.
لا يثق المتبرع في أن تبرعه سيصل إلى مستحقيه. لذلك يحجم عن التبرع. في أحد السنوات وفي محطة مترو فيصل لاحظت عربة إسعاف تقف أمام المحطة والموظف الموجود بها ينادي عبر مكبر الصوت، ويدعو المواطنين للتبرع . كان الموظف يرجو ويستغيث، ويقول أن الدولة تحتاج إلى الدماء ويتساءل .. "منين نجيب؟" ، باختصار كان الموظف كأنه يشحذ، ولم يبادر بالمبادرة بالتبرع أحد.
هذا الموقف المؤلم يجسد المشكلة، فالمصريون يريدون التبرع، ولكنهم يحجمون إما خوفا من العدوى بعد القضية التي تناولتها أجهزة الإعلام حول شركة يملكها عضو بمجلس الشعب وردت أكياس دم مخالفة للمواصفات، أو شكه في وصول تبرعه إلى مستحقيه، وأن لا يباع في السوق السوداء.
إذا أعدنا الثقة بين المواطن وحكومته، سنحقق الكثير، والدليل على ذلك أن المصريين عندما وثقوا من نزاهة الانتخابات بعد الثورة، وأن أصواتهم أصبح لها قيمة حقيقية، خرجوا للتصويت بإقبال كبير، وحققوا أعلى نسبة تصويت في التاريخ، وهي 62% في المرحلة الأولى.
التبرع جزء من ثقافة المصريين، حتى الفقراء منهم، ولعل الدليل على ذلك حرص البسطاء على إخراج الزكاة، وإقبالهم على التبرع لصناديق النذور، في مساجد ومقامات أولياء الله الصالحين.
لو تمكنا من إعادة الثقة بين الموطنين وحكومتهم، لو تمكنا من إنشاء هيئة عامة للتبرع مستقلة عن الدولة تخضع لرقابة الحكومة من ناحية وللرقابة الشعبية من ناحية أخرى، سنحقق الكثير.
المصريون مستعدون للتبرع بأموالهم، وأراضيهم، وحليهم، ومواشيهم وأوقاتهم، وجهدهم من أجل مصر ..، ولكن فقط إذا وثقوا في أن تبرعهم سيصب في صالح الوطن.
أنا واثق من أننا لو وفرنا هذه الاشتراطات، وضمنا الموثوقية في التبرع، وذهاب التبرع إلى مستحقيه، وأعلنا عن حملة لجمع 20 مليار جنيه لزيادة رواتب الموظفين، أو حل مشكلة العشوائيات، أو القضاء على مشكلة الإسكان، وغيرها من المشروعات التي تمس حياة المواطن سيتم جمعها.
من المشروعات التي يمكن للعمل التطوعي المشاركة بها:
ـ مشروع لتنظيف شوارع وميادين مصر وتجميلها، وتحويل مصر إلى البلد الأجمل في العالم. (5 شهور)
ـ مشروع لتوفير الغذاء والخدمة الصحية والدواء والكساء لكل محتاج. بدون مقابل (8 شهور)
ـ مشروع قومي لمحو الأمية في جميع ربوع ومدن وقرى مصر (10 شهور).
ـ مشروع قومي مستمر للمساعدة على الزواج يستهدف مساعدة الشباب الراغب على الزواج .
ـ مشروع إنشاء 1000 حديقة بالقاهرة بتحويل المساحات الخربة والمهملة إلى حدائق، وتعمم الفكرة على المحافظات (7 شهور).
ـ مشروع مكافحة الفقر للقضاء عليه على أن يعني المشروع بتأهيل الأسر الفقيرة للعمل، وعدم الاكتفاء بتقديم الإعانات لها (5 سنوات).
2 ـ الحكومة الشعبية:
استلهاما لتجربة اللجان الشعبية التي أدت دورا مهما خلال الثورة في تحقيق الأمن، وحماية المنشآت العامة والخاصة، وتفعيلا لدور العمل التطوعي يتم إنشاء "حكومة شعبية" من أفراد الشعب، ينتشر أعضاءها في جميع أنحاء الجمهورية ، من خلال تنظيم تراتبي خاص، وتتحرك هذه الحكومة للرقابة الشعبية، ومساعدة رجال الأمن، والخدمة العامة، ويتعاظم دور هذه الحكومة في أوقت الكوارث والأزمات.
وتخصص كل محافظة مستودعات لتخزين أدوات مختلفة للإنقاذ والإيواء يمكن الاستعانة بها وقت الأزمات.
قرارات ثورية:
بعض المسؤولين في مصر يتصرفون وكأنه لم تقم في مصر "ثورة"، مازالوا يمارسون نفس الفكر القديم، في كل ثورة هناك شرعية ثورية .. تختلف عن الشرعية الدستورية، وقد أقرت ثورة 25 يناير واقعا ثوريا جديدا، وهذا الواقع يحتم اتخاذ قرارات ثورية غير عادية للمرور بالبلاد من عنق الزجاجة أولا، وتحقيق متطلبات الثورة ثانيا .
ومن القرارات الثورية المقترحة:
1ـ رفض مساعدات صندوق النقد الدولي، والعمل على تعبئة اقتصادية عامة تتضمن حملات ترشيد، وتبرعات، ومؤتمرات لدول مانحة.
2ـ إعادة توزيع الموارد وتقديم (ميزانية أزمة) بحيث تعطى الأولوية للأمن بشقيه الوطني والاجتماعي، وتخفيض ميزانيات بعض المجالات مثل الفنون، والثقافة.
3ـ تكوين حكومة أزمة يكون هدفها الأساسي الخروج من الأزمة الاقتصادية.
4ـ إقرار ضريبة خاصة على الأغنياء، وأصحاب الدخول المرتفعة شبيهة بالتي أقرتها أميركا على الأثرياء العام الماضي.
5ـ وقف استيراد السلع غير الضرورية توفيرا للنقد الأجنبي الذي يتم استهلاكه في سلع غير ضرورية كفوانيس وألعاب من الصين.
6ـ تأميم المشاريع الأجنبية التي تمت في عهد النظام السابق، وشابت عقودها فساد مؤكد ومثبت عن طريق القانون.
7ـ إقرار ضريبة بسيطة على كافة المعاملات تشبه "معونة الشتاء" التي كان يتم تحصيلها قديما، وتسمى "ضريبة دعم الدولة" تصب في مجال دعم الدولة المصرية.
8ـ وقف كل الإعلانات الحكومية في أجهزة الإعلام، واقتصارها على الإعلانات الضرورية.
9ـ إحياء قانون "من أين لك هذا" ومراجعة ثروات جميع رموز النظام السابق من سياسيين وإعلاميين وقيادات حزبية، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من لم يتمكن من إثبات مصادر مشروعة لثروته.
10ـ تحويل مقار الحزب الوطني المنحل في جميع المحافظات بمافيهم المقر الرئيسي بميدان التحرير الذي أحرقه الثوار إلى مشاريع إنتاجية تعود بالفائدة على ميزانية الدولة.
تاريخ الإضافة: 2014-04-11تعليق: 0عدد المشاهدات :826