من الهواية إلى الاحتراف
الصحافة .. هواية:
الصحافة كأي هواية نبتة بسيطة، ولكن بالري تكبر وتنمو وتثمر، تبدأ كمحاولات بسيطة ثم تتطور بالحب والاطلاع والممارسة، أفضل الأعمال التي يمكن أن يمارسها المرء تلك التي كانت في الأساس هواية له. أحبها منذ نعومة أظفاره، وتعلق بها .. ومارسها بحب واستمتاع، وأسوأ الأعمال تلك التي اضطر الإنسان لممارستها "غصبا عنه"، وفقا لمقتضيات الوظيفة.
العمل إذا كان في الأساس هواية سيحبه الشخص ويبدع فيه، ولن يبخل عليه بالوقت والجهد، سيصبح شغله الشاغل، سيجد فيه الهواية والوظيفة معا، ومن المؤكد أنه سيكون قادرا على التميز به والصعود. أما العمل الذي جاء صدفة دون رغبة أو حب، سيكون في الغالب عملا روتينيا. يمكن أن ينجح فيه الشخص، ولكن من الصعوبة أن يبدع فيه ويتألق.
والصحافة يتعلق بها المرء في البداية كهواية، وبمرور الوقت ينمي هذه الهواية بالاطلاع ومتابعة الصحف، وفي مرحلة أخرى ـ إذا وجد الإرشاد والتوجيه ـ يتعاون مع إحدى الصحف. ثم التعيين فيها.
والصحافة من المهن التي يجب أن تكون في الأساس هواية وموهبة. لأن من يدخلها وهو لا يتمتع بالموهبة سيكون في نهاية المطاف موظفا تقليديا، وسوف يخرج حينها عن العمل الصحفي الحقيقي كرسالة.
من هنا فإننا ننصح محبي الصحافة أن يبدؤوا مبكرا في تلمس هذا العالم، والاقتراب منه وبدء المحاولات فيه، والاستعانة بخبرة الآخرين. لأن تنمية مرحلة الهواية سوف تنعكس على الهاوي .. وسوف تدفعه بقوة إلى عالم الاحتراف.
اكتشاف الموهبة:
سنسأل الآن .. كيف يكتشف الشاب موهبته.؟ وكيف ينميها؟ . ربما يكتشف الشاب ميوله منذ الصغر، وربما يحتاج إلى الوالدين ليقوما بتلمس احتياجاته وميوله في سن مبكرة . ليعملا على تنميتها . ليس ذلك فقط ، ولكن الوالدين يمكن أيضا أن يزرعا الموهبة في الطفل. من خلال تزويده بالألوان والأوراق والأقلام، أو ضمه لناد رياضي، أو تشجيعه على ممارسة الهوايات المختلفة.
هذا التشجيع سيظهر في مرحلة معينة ميول الطفل . سوف تكتشف إحدى الأسر حب الطفل للرسم . وسوف تكتشف أخرى حب طفلها للكتابة .. أو الرياضة، وهكذا.
هنا يأتي دور الوالدين في تنمية ميول الطفل، وتغذيتها بكافة السبل والأدوات. بعد فترة ستتحول الميول إلى موهبة .. ، وبالتدريج ستنمو الموهبة، وتصل إلى شواطئ الاحتراف.
صناعة الموهبة:
لست أوافق على من يتعامل مع الموهبة كشيء استثنائي يختص به البعض، ولا يختص به البعض الآخر، ولإضافة شيء من المبالغة يقولون إن الموهبة "وحي" و"إلهام"، لأن كل مولود في الحقيقة يولد وداخله المقومات المهارية المختلفة، فالإنسان الذي خلقه الله يتمتع بجميع الحواس التي تساعده على الرؤية والاستماع والتخيل والتفكير والإبداع، ولكن الفرق يكمن في أن هناك من عرف كيف ينمي موهبته، فتميز، وحصد ثمارها، وآخر أهمل هذه الموهبة، فنضبت، أو قل لم تستغل.
الشيء المختلف هنا الميول ، فهناك ميول نحو القراءة. وأخرى نحو الاختراع، وثالثة نحو الغناء.. وهكذا. وهذه الميول تتكون ربما لعوامل اجتماعية ونفسية .. وربما يكشف العلم في المستقبل عن عوامل جينية تتوارث من الأب لابنه.
عضلة الموهبة:
الموهبة موجودة داخل كل إنسان، وهناك من ينميها ويستغلها ويستفيد منها، وهناك في المقابل من يهملها ولا يستخدمها ، الموهبة كعضلة الجسم تنمو وتكبر بالاستخدام، وتضمحل بالإهمال، أنظر إلى لاعبي حمل الأثقال، كيف تتضخم عضلاتهم بالتمرين وحمل الأثقال باستمرار.
لاعبو حمل الأثقال يملكون عضلات كالآخرين، ولكن الفرق أنهم استخدموا عضلاتهم ونموها بالاستخدام والتمرين.
هناك مئات العضلات في جسد الإنسان، ولكن العضلات المستخدمة في النشاط اليومي قليلة جدا، وإذا استخدم الإنسان عدد أكبر من عضلاته أو قواه لكان أفضل وأقوى.
وقد انتبه لذلك عالم ماليزي ، فابتكر نظام دراسي أطلق عليه "اليوسي ماس" ونجح نجاحا باهرا في دول العالم، وفي هذا النظام عمل العالم على استغلال أجزاء جديدة من مخ الانسان لم تكن مستخدمة من قبل في التفكير وإجراء العمليات الحسابية، وذلك بالعودة إلى استخدام أداة حسابية تقليدية وهي "العداد".
المهارات تنمو بالاستخدام وتضمحل بالإهمال.
حسن استغلال الموهبة:
قد يملك المرء موهبة، ولكنه لا يحسن استغلالها، أو يسيء استخدامها، حسن استغلال الموهبة يجعل الإنسان كاتبا أو مخترعا أو رياضيا يحقق الأرقام القياسية ، أما من إساءة استغلال الموهبة فتجعل الإنسان لصا أو مجرما.
على سبيل المثال، الشخص الذي منحه الله قدرات عالية في استعمال الكمبيوتر ومعرفة خباياه، قد يستخدم موهبته تلك في تأسيس شركة تقنية ناجحة، وقد يستخدمها ويصبح "هاكرز" يمارس القرصنة على حسابات الأفراد وبيانات الشركات، ويضر بمصالح الدول.
يجب أن ننتبه .. لأن الموهوب ـ كأي إنسان ـ يمكن أن يكون معرضا لهذا الاتجاه أو ذاك. وهنا يبرز دور التربية والتوجيه، وإقران الموهبة دائما بالعمل الإيجابي.
من مجلة الحائط إلى الموقع الإلكتروني:
في طفولتنا بدأنا ممارسة الصحافة ـ لأول مرة ـ من خلال مجلات الحائط، وهي مساحات ورقية تعلق في جدران المدرسة، وتتضمن أبوابا يقوم الطلاب بتحريرها. وفي أوقات الفسحة يتجمع التلاميذ حول مجلة الحائط ليقرؤوا ما بها.
هذه الوسيلة التقليدية البسيطة تطورت في عصر التقنية، فأصبح بوسع كل مدرسة إطلاق موقع إلكتروني خاص بها على شبكة الإنترنت، وأصبح عدد القراء البسيط أكبر بكثير. حيث يمكن أن يطالع الموقع بسهولة أي شخص في أي مكان في العالم.
جماعة الصحافة:
في طفولتنا أيضا كانت هناك في كل مدرسة جماعة للصحافة تكون مسؤولة عنها اختصاصية تسمى "أخصائية صحافة" وكانت هذه الجماعة تمارس دورا بسيطا في جمع هواة الصحافة، وإصدار مجلة مطبوعة باسم المدرسة.
ولازلت أتذكر اختصاصية الصحافة في مدرستي الابتدائية نادية هنداوي والتي كانت تقوم بإرشادنا وتوجيهنا وتعريفنا بأوليات الصحافة.
وفي العصر الحالي يتعاظم دور جماعة الصحافة في المدارس . حيث يمكن أن تقوم بدور أكبر في رعاية الموهوبين في مجال الصحافة . خاصة في ظل تطور أدوات النشر. كما يمكن أن تلعب مراكز رعاية الموهوبين والأندية الأدبية دورا مهما في تنظيم ورش العمل اللازمة لتنمية المهارات عموما، وفي الصحافة خاصة.
كيف تتعرف على موهبتك؟:
1ـ تعرف على ميولك واتجاهاتك. وحدد هدفك .. حتى لو كان الهدف كبيرا أو صعبا .. فتحديد الهدف أو الطموح خطوة أولى لتحويله إلى واقع.
2ـ حاول تحويل هوايتك من الممارسة العفوية إلى الممارسة المنضبطة بالانضمام إلى مجموعة من الأصدقاء تمارس نفس الهواية، لأن الممارسة الجماعية للهواية تساعد على تلاقي الأفكار والتآزر، وتحقق الإفادة.
3ـ من الأفضل أن تكون دراستك متوافقة أو قريبة من هوايتك، لأن ذلك يوفر للهواية الأرضية الخصبة للنمو والنجاح.
كيف تنمي موهبتك الصحفية؟
1ـ القراءة هي وقود النجاح في عالم الصحافة. مارس القراءة، ونمِّ مخزونك الثقافي.
2ـ أتقن بسرعة العمل على الكمبيوتر.
3ـ إتقان لغة أخرى يساعد على إتقان العمل الصحفي.
4ـ خط محاولاتك في الكتابة والصحافة بشجاعة، واستعن بذوي الخبرة ليرشدوك إلى القواعد والمهارات.
5ـ تعاون مع إحدى الصحف . حتى لو كانت البداية أن تكتب في أبواب القراء والأبواب المخصصة للقارئ الصحفي.
6ـ تحلَّ بروح الصحافة، واعرف قيمها وأهدافها، وتميز بحب الاستطلاع، ورصد ما تقابله من أحداث ومواقف.
7ـ انضمّ إلى أي جماعة للصحافة في مدرستك، أو ناديك الأدبي، أو أي شعبة لتنمية المهارات والمواهب في مدينتك أو منطقتك.
8ـ تقدَّم للصحف بطلب أن تكون مراسلا لها .. حتى لو كان ذلك في البداية على سبيل التدريب.
9ـ حاول الانضمام إلى فريق عمل في إحدى الصحف الإلكترونية، وإذا كان لديك الجاهزية يمكنك أن تنشر موقعا صحفيا على الإنترنت، تمارس من خلاله أنت وبعض من يشاركونك الاهتمام الصحافة.
انعكاس الصحافة على الشخصية:
يقول خبراء علم النفس أن لكل وظيفة انعكاسات معينة على ممارسها، وبالنسبة للصحافة فهي تفيد الشخصية من عدة جوانب:
1ـ انتماء الصحافة لمهن التوجيه والتعليم والتأثير يمنح ممارسها الشخصية الواثقة والاعتداد بالنفس.
2ـ تتيح للصحفي العديد من العلاقات مع مختلف الفئات بالمجتمع سواء أكانوا مسؤولين أم مواطنين من مهن وطبقات مختلفة. ويوفر ذلك له المزيد من المعرفة الاجتماعية.
3ـ ممارسة الصحفي الرقابة على المجتمع تنمي داخله روح النقد الاجتماعي. وهي ميزة تمنح صاحبها مزيدا من الانضباط والمثالية والرغبة في الكمال . وهذا سينعكس على شخصيته هو فيحاول أن يكون بقدر المسؤولية أقرب ما يكون إلى الكمال.
4ـ الممارسة الصحفية بطبيعتها ممارسة إيجابية، والصحفي يمارس دورا في نشر المعرفة ودعم الحقوق . لذلك من المنتظر أن يكون الصحفي صوتا للحق .. وفي كثير من الحالات يساهم الصحفي في بناء وطنه من خلال النقد والإصلاح والتطوير. وهذا يضيف قيمة خاصة إلى العمل الذي يمارسه وبالتالي يضيف إلى الشخصية.
كيف تكتشف موهبتك الصحفية وتكتب أول خبر:
الموهبة تبدأ برغبة شخصية في ممارسة هواية معينة. يجد فيها الشخص متعته، ويبدأ الأمر بالمحاكاة. كالطفل الذي يتعلم اللغة بالتقليد. فيبدأ بتقليد الحروف والحركات وتلمس ردات الفعل، وبالتدريج تقوى الجمل وتصبح عبارات مفهومة وسليمة . وبمرور الوقت تزيد الحصيلة اللغوية للطفل.
الصحفي الهاوي الذي يتمنى ممارسة الصحافة يجب أن يقرأ الصحف والمجلات ويراقب العناوين وتراكيبها اللغوية . ومقدمات المواضيع ويرى كيف تكتب، ويتابع العناصر المشاركة في التحقيق .. هذه المرحلة من المراحل المهمة التي يمكن أن تفيد الهاوي.
يأتي بعد ذلك دور المعرفة . ووسائلها كثيرة . يمكن ان يلجأ الصحفي الهاوي إلى مراسل صحفي في مدينته ليتعرف منه على أجواء العمل. يمكن ان يلجأ إلى الإنترنت للتعرف على كيفية الكتابة الصحفية ، يمكن أيضا أن يلتمس الحصول على دورة صحفية .
ولكن في كل الأحوال يحتاج الهاوي إلى معلم متطوع يرشده ويوجهه ويقرأ محاولاته، ويقومها ويصوبها . حتى تستقيم المحاولة وتنتقل من كونها محاولة لتصبح مادة صحفية جديرة بالنشر.
الإصرار وقود النجاح .. "قانون نيوتن "
من الطبيعي أن يجد الموهوبون الجهات التي تدعمهم وتنمي مواهبهم ، وتوجد بالمملكة عدد من الجهات التي تقوم بهذا الدور. ولكن في بعض الأحيان لا يجد الهاوي جهة تقوم بهذا الدور. وفي كثير من الأحيان يواجه المعوقات.
ولا يجب أن تكون العقبات حجة لهاوي الصحافة كي ييأس ويتوقف. فالتجارب المشاهير في الصحافة أو غيرها تؤكد أن العقبات التي تواجه الموهوب تمنحه ميزة غاية في الأهمية وهي الإصرار على تخطي الصعاب والاستمرار والنجاح.
يقول قانون نيوتن الثالث "لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه" وهو قانون يؤكد لنا طبيعة الوضع . فالعقبات "فعل" لابد أن يواجه برد فعل من قبل الموهوب، مساو له في المقدار، وفي كثير من الأحيان يكون رد الفعل ـ خلافا للقانون أكبر من الفعل نفسه . حيث تمنح العقبة طاقة مقابلة هائلة وحافز مهم للتقدم والنجاح.
مقومات الصحفي:
1ـ إتقان اللغة العربية
2ـ اتقان التعامل مع الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة.
3ـ التمتع بروح اجتماعية قادرة على التحاور مع أي شخصية.
4ـ التحلي بحب الاستطلاع والبحث والمعرفة.
5ـ الصبر حتى تحصل على المعلومة الكاملة.
6ـ التحمل والحماسة فالمهنة ميدانية غير مكتبية ، وقد تدفع الصحفي للسفر أحيانا أو تكبد المشاق في سبيل الحصول على معلومة.
7ـ الحفاظ على الأسرار : حيث تتيح الممارسة الصحفية أحيانا تعرف الصحفي على مشكلات اجتماعية وأسرار ، ومن المهم أن يحفظ الصحفي أسرار مرضاه "الغير قابلة للنشر" كما يحفظ الطبيب أسرار مرضاه.
نصائح لتميز المراسل الصحفي:
اقتنص الفرصة:
يجب أن يقتنص المراسل الأخبار والموضوعات ، كما يقتنص الصقر فريسته . وإذا كان المثل العام يقول "لا توجل عمل اليوم إلى الغد ، فإنه في الصحافة يجب أن لا تؤجل عمل الثانية إلى الثانية التي تليها . لأن الأخبار تطير . وفي عصر التقنية إذا لم تقتنص الخبر بسرعة وتنتهز الفرصة سيسبقك إليها الآخرون.
تحلى بالشجاعة:
الثقة والشجاعة عاملان مهمان بالنسبة للصحفي. فلا يجب أن يكون الصحفي خجولا مترددا، إذا رأيت مسؤولا مهما ـ في مكان عام ـ لا تتردد . تقدم وعرف بنفسك ، ولا تطلب موعدا .. انتهز الفرصة وحاول أن تحصل على خبر أو معلومة أو تنفرد بحوار. مالم يعتذر الضيف نفسه.
المبادرة .. المبادرة
الصحافة مهنة المبادرات . إذا لم تبادر للبحث عن المعلومة المعلومة لن تأتي لك .. بعض الصحفيين يجلسون في المكاتب فإذا جاءها "نشرة صحفية" تعاملوا معها وأحيانا ختى لا يتعاملوا معها ويرسلونها كما هي للمكتب الرئيسي . وهذا الكسل الصحفي لن يفرز صحفيا ناجحا. المبادرة بالبحث عن الأخبار واللقاءات يجب ان تكون ممارسة يومية للصحفي عامة والمراسل خاصة.
اصنع الخبر:
الفرق بين الصحفي العادي والصحفي المميز هي صناعة الخبر. فالكثيرون يعتقدون أن أدوارهم تقتصر على جمع الأخبار أو إعداد التحقيقات . "صناعة الخبر" مهمة أساسية للصحفي المتميز، وفيها يعد أسئلة وقضايا ويتابع الخلافات ويصنع موضوعا يثير الجل. وينفرد بمادة لا يشترك معه فيها أحد.
ويمكن أن يستثمر الصحفي علاقاته الشخصية بالمشاهير وأصحاب القرار في "صناعة" أخبار ومواد ينفرد بها.