لا أحد ينكر أن الصحافة المطبوعة في "أزمة"، قد يتحذلق البعض، وينظِّر، ويدعي أنها لن تموت، مستشهدا بـ "الكتاب" الذي بقى رغم ظهور التلفزيون، ولكن الواقع يؤكد أن الأزمة المطبوعة ستستمر، وأن الآلية البائسة لطباعة المعلومة على مادة تدعى "الورق" ستختفي، ستبقى الصحف والكتب كوسائل "تقليدية" يتمسك بها الجيل القديم من كبار السن، ولكنها ستفتقد مقومات كثيرة للحياة مثل الانتشار، والتأثير، والبعد الاقتصادي.
وضعت "التقنية" الصحف المطبوعة أمام عدد من التحديات، منها سرعة إيقاع الصحافة الألكترونية، وتفوقها من حيث التكلفة الاقتصادية، والميزات التفاعلية، وهذه التحديات وضعت "المطبوعة" في "القبر".
يحدث ذلك رغم أن هناك "فرصة أخيرة" لإنعاش الصحافة المطبوعة . ليس فقط إنقاذها، ولكن لمساعدتها على التنافس، ولكن كل الشواهد للأسف تؤكد أن الفرصة تضيع، والزحف التقني مستمر وكاسح، و"الورقية" الآن على أجهزة التنفس الصناعي.
النشر الالكتروني والتقني المتزامن كان خيار الصحف المطبوعة للبقاء، حسب قاعدة "مجبر أخاك لابطل"، ولكن هذا النشر لازال محاطا بإشكاليات عدة، أبرزها أن بعض المؤسسات الصحفية التي تصدر صحفا مطبوعة تعمد إلى أن يكون النشر الألكتروني مجتزءا، خوفا على القلة الباقية من القراء، وهذا برأيي أسلوب خاطيء، لأنك إن لم تنشر سينشر غيرك، ويضيع عليك "السبق" . لذلك أرى أن تجتهد الصحيفة ـ أي صحيفة ـ لتحقيق التفوق النوعي في "الألكتروني" لأن كما أسلفت نجاح أحدهما سينعكس على الآخر ولو بصورة نسبية.
رغم أن الهدف في مجالي النشر المطبوع والألكتروني واحد ، إلا أن هناك اختلافات جذرية، تتعلق بطبيعة عمل كل منهما، فبينما يملك "المطبوع" الوقت الكافي الطويل لإعداد مطبوعة يومية ، يتسابق "الألكتروني" مع الزمن لتحقيق السبقية بنشر الخبر أولا .الاختلاف كبير وهائل، والمنافسة صعبة، وغير متكافئة، وإن كانت ليست مستحيلة.
هناك خطط وأساليب للنشر الصحفي المتزامن، ولكنها مازالت قاصرة عن تحقيق المعادلة التي تكفل النجاح في المجالين "معا"، الأمر أشبه بالكانغرو والسلحفاة، .. عداء مطلوب منه الفوز في سباق للمسافات الطويلة، وأيضا الفوز في آخر للمشي على مهل، المطلوب دراسة وافية متأنية بسلوكيات القاريء ، والتعرف على قاريء كل وسيلة ألكترونية كانت أم مطبوعة، والعمل بحرفية ومهارة على تقديم ما يرغبه كل طرف.
المهم عند تعامل الناشر مع الوسيلتين أن يؤمن أن تقدم وسيلة لا يعني فشل الأخرى، لأن نجاح طرف نجاح للطرفين . إذ ستؤدي الوسيلة الناجحة إلى نجاح الوسيلة الأخرى .
ليس من الصعب على المحرر العامل في "المطبوعة" العمل بشكل متزامن في النشر الألكتروني، ولكن الأفضل أن نخصص محررا للعمل في وسيلة، وآخر في الوسيلة الأخرى . مع وجود تنسيق دائم بينهما . وذلك لأن طبيعة النشر في الوسيلتين مختلف في الإيقاع، والصياغة، والفئة المستهدفة . أيضا في قدرات كل وسيلة.
"النشر التقني" رغم سطوته ونفوذه يحتاج إلى مهارات خاصة، فمن المهارات التي يجب توفرها في الصحفي للعمل في غرف الأخبار الرقمية . أن يكون في الأساس محررا متميزا متقنا لمهنته في الإعداد والتحرير والصياغة . ثم يزيد على ذلك مهارته في التعامل مع التقنية . وأساليب النشر التقني المعروفة . أضف إلى ذلك ملكة المتابعة الوقتية لكل ما ينشر بالاعلام بكل وسائلة . وأيضا ملكة الابتكار والرصد . لـ "صناعة الأخبار"، هذا الشكل الذي ينجح تماما في النشر الألكتروني.
التغيرات التي حدثت في الاعلام كثيرة . فإذا كان الإعلام نفسه تغير . فمن الطبيعي أن يتغير الصحفي، ولكن يمكن إجمال أبرز التغيرات في : زيادة حدة المنافسة، والمأزق التاريخي للصحافة المطبوعة أمام الألكترونية، واختفاء مهن عتيقة في النشر المطبوع مثل "المصور"، والصفيف"، والمخرج الصحفي"، والمنفذ" أحيانا في ظل الصحافة الألكترونية بل والمطبوعة أيضا، والأهم زيادة مساحة الحرية التي وفرها الإعلام الألكتروني.
النشر المتزامن تجربة لا مفر منها، ولكنها تحتاج إلى درس، وبحث، ووعي بطبيعة كل وسيلة، والفئات المستهدفة منها، ولكن ذلك يجب أن يتم ـ دون مكابرة ـ وفق قاعدة أساسية وهي أن النشر الرقمي هو حاضر النشر ومستقبله، أما "المطبوعة"، فلازال أمامها أمل بسيط في البقاء، وإن كان إنقاذها يحتاج في حقيقة الأمر إلى "معجزة