تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



محرر صياغة


25 عاما وأنا أعمل في الصياغة الصحفية، أنحت المادة كما ينحت النحات الصخر بإزميله، فيتحول إلى قطعة فنية نابضة بالحياة، أتأمل المادة أحملها، أرميها، أصفعها، أعشقها، أطعمها، أسقيها، أعجنها، أطرقها، كما يشكل الحداد قطعة حديد صلد بالمطرقة والنار، وأدور قلقا كالعصفور الذي يبني عشه، أبنيها كلمة كلمة، طوبة طوبة ، حتى تصبح بنيانا رائعا في صحيفة.

الصياغة الصحفية كأي مهنة، ولكن المعاني التي تنطوي عليها تجعلها مهنة خاصة جدا، لعل أهم هذه السمات أنها تتعلق بالتأثير في الناس، فالصحفي الميداني يجلب المعلومات، ومع أهمية ذلك كعنصر أساسي في العمل الصحفي، فإن محرر الصياغة هو الذي يشكل هذه المعلومات، ويضعها في الإطار المتكامل والمناسب والمشوق، فيجد فيها القارئ المعلومة الصحيحة والفكرة الصائبة والشكل المشوق الجذاب.

الصياغة عمل إبداعي في المقام الأول، تماما كصائغ الذهب الماهر الذي يحول سبيكة من الذهب إلى عقود وتشكيلات جميلة، ومحرر الصياغة يجب أن يكون مبدعا عارفا بمقومات الصياغة الصحفية، قادرا على إبداع مادة صحفية ناجحة مؤثرة.

والمادة الصحفية مثل أي سلعة يجب أن تتضمن العناصر الجاذبة التي تجعل المستهلك / القارئ يقبل عليها، أول العناصر هو الصدق، فالقارئ قد يغفر غياب عناصر كثيرة في المادة الصحفية، ولكنه أبدا لا يغفر الكذب والخداع، لذلك أجمل المواد الصحفية تلك التي تميزت بالعفوية والصدق وعدم التكلف والقرب من الناس.

والتشويق عنصر مهم من عناصر الجذب في المادة الصحفية، فمهما كانت أهمية الخبر أو المادة فإن وجود عنصر الجذب والتشويق عامل مهم للإقبال عليها، وكم من مواد مهمة نشرت في قالب رتيب فلم تلفت الانتباه، وعلى العكس كم من أخبار ومواد عادية صيغت بشكل لافت فلفتت الأنظار.

ومحرر الصياغة هنا يشبه خبير التسويق الذي يحول سلعة مجهولة تعاني من الكساد إلى منتج يتخاطفه المستهلكون، ويحقق أرباحا طائلة.

ومن السمات التي تجعل الصياغة الصحفية مهنة خاصة، عنصر الإيثار بها، فالمحرر هنا يعمل على مادة يمنحها خبرته وجهده ووقته وإبداعه، وفي النهاية تنشر المادة باسم معدها الأصلي، وإذا نجحت المادة وتفوقت وحصلت على جوائز صحفية، فإن الفائز سيكون صاحبها، أما محرر الصياغة فيظل دائما في الظل يمارس عمله بحب وود وإخلاص وإيثار.

دور مهم آخر لمحرر الصياغة، ففضلا على دوره في تشكيل المادة الصحفية، ودوره في استكمال المادة ـ بالتنسيق مع معدها ـ وتقويمها من الاعوجاج والعوار والنقص، فإن هناك دورا يوميا يمارسه بأبوية كبيرة، مع عدد كبير من زملائه المراسلين والمراسلات في كافة الدول، وهو تعليم الزميل المراسل وتنمية مهاراته وإمكانياته. من خلال إرشادات ونصائح يومية في كيفية إعداد المادة الصحفية المتكاملة.

ونظرا لأن لكل مهنة قواعد، فإن للصياغة قواعد وأساسيات بعضها قواعد صحفية عامة، وبعضها قواعد داخلية تتعلق بهوية الصحيفة والسمات التي وضعتها هيئة التحرير، ومع أن القواعد مضامير جري ينطلق محرر الصياغة من خلالها، إلا أنه يتبقى لمحرر الصياغة مضماره الخاص الذي يركض فيه، وهو مضمار الإبداع الخاص.

ومع وجود القواعد التي يعمل من خلالها محرر الصياغة، والتي تسجل غالبا فيما يسمى "ستايل بوك" الذي تضعه الصحف كقانون للصياغة الصحفية، يعمل من خلاله المحررون، هناك قواعد أساسية عامة غير مكتوبة، تتعلق بضمير الصحفي الذي يلزمه بالبعد الأخلاقي الذي يسير جنبا إلى جنب مع البعد المعرفي.

فالمادة الصحفية يجب أن تراعي البعد الأخلاقي ويتضمن عدم الإساءة للأديان أو الدول أو المجتمعات أو الأشخاص أو العرقيات، وعدم الانحياز لجهة أو رأي أو جنسية أو مذهب، وتحري "الحقيقة مهما كلف الأمر".

ورغم أهمية الصياغة الصحفية لكونها عنصرا مهما في تسويق السلعة الصحفية  لدى القارئ، إلا أن هناك تحديات جديدة أمام هذه المهنة، فمع تطور الإعلام التلفزيوني، وانصراف الكثيرين للثقافة المرئية السهلة. أصبحت الصحافة المقروءة سواء أكانت ورقية أم إلكترونية أمام تحدٍّ صعب.

على الصحافة المقروءة أن تتطور وتواكب التغيرات التقنية التي تحدث كل يوم، إضافة إلى مواكبة التغيرات الاجتماعية التي تتعلق بالناس، وتشمل اختلاف الاهتمامات والرؤى والاحتياجات المعرفية. لتظل دائما سلعة مقروءة رائجة.

من هنا من اللازم فتح الباب أمام الاجتهادات الصحفية والتجريب والتطوير، والبحث عن أشكال صحفية جديدة تواكب التغير الهائل الذي حدث، خاصة مع تطور الإعلام الإلكتروني، وانصراف فئة ليست بالقليلة لمتابعة الصحافة الإلكترونية. أيضا الانفجار الفضائي الذي حدث في السنوات العشر الماضية التي جعلت الأفضلية والأسبقية للإعلام التلفزيوني الفضائي السريع بما يملك من مزايا وإمكانيات.

وعلى محرر الصياغة العبء الأساسي في ذلك، من خلال تطوير قدراته، وتحسين مهاراته، ليظل دائما قادرا على تقديم مادة صحفية مشوقة، شهية، تشد الناظرين.

محرر الصياغة جندي مجهول يقدم فكره وتعبه وعرقه لمادة، وعندما تنشر يصفق الجمهور لصاحب المادة، أما هو فيقف ـ كوالد العروسة ـ وحيدا وراء الستار، يبتسم، ثم ينصرف للتعامل مع مادة جديدة.



تاريخ الإضافة: 2014-04-13 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1507
0      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات