أقدِّر كل الجهود التي يبذلها رجال الأمن في محاربة عدو خفي، كافر، لا يرحم هو "الإرهاب"، أرفع القلب وليس القبعة لهؤلاء الذين ضحوا بأرواحهم رخيصة مقابل أن يحيا "الوطن" . لم يخافوا ولم يجبنوا .. ولم يقولوا "مالناش دعوة" .. ولكن كل منهم قرأ بضع آيات من القرآن الكريم ، وقبَّل زوجته وصغاره، وهو يعلم أنه قد يكون اللقاء الأخير، وراح في هجوم جبان، أو تفجير خسيس.
ولكن رغم ذلك أعبر عن غضبي وحزني واستيائي لعدم اتخاذ الإجراءت الأمنية المطلوبة لمنع أو تقليل الضحايا .. خاصة في مواجهة "السيارات المفخخة" و"الإغتيالات المباشرة"، لست خبيرا في مكافحة الإرهاب، أو أحد المسؤولين الأمنيين السابقين الذين ينظِّرون في برامج "التوك شو"، ولكن أبسط طرق حماية المنشآت التي لا تحتاج ذكاءً هي عمل حرم آمن لها، وحمايتها ببلوكات أسمنت تقي المبنى الخطر في حال استخدمت سيارة مفخخة في الإعتداء عليه.
أعلم أن الواقع الميداني يختلف عن الواقع من وراء الكيبورد، وإن "اللي إيده في الميه مش زي اللي إيده في النار"، ولكن من قواعد التأمين البديهية منع المرور في الشوارع المحيطة بالمبنى، حتى لو تسبب ذلك في "تلبك مروري"، أو "التضييق على الناس" كما قال البعض في معرض تبريره لعدم إتخاذ الجهات الأمنية لهذه الخطوة.
من أبسط قواعد التأمين منع وجود اي سيارات في محيط الشارع الذي يمر به موكب مسؤول مهم . حتى لو استلزم ذلك نقل جميع السيارات إلى شوارع جانبية. بأمر أصحابها بذلك، أو بنقلها بأوناش قبل المرور بساعات، وذلك تحسباً لأي عملية إرهابية يستخدم فيها المجرمون "سيارة مفخخة" على أحد جانبي الطريق تفجر عن بعد لتطيح بالصيد المطلوب بسهولة.
من أسس التأمين توفير حراسات مسلحة كافية لكبار الضباط والمسؤولين في وزارة الداخلية لمنع، أو ردع أي هجوم إرهابي عليهم . لأن طبيعة وظيفتهم تجعلهم دائما عرضة للإعتداء، والإنتقام.
من أبسط قواعد التأمين أن يكون منزل شخصية أمنية رفيعة مثل وزير الداخلية في منطقة مؤمنة تأمينا كاملاً، مع منع المرور في محيطه . لأن هذه الشخصية هي عقل البلاد الأمني، وحمايتها واجبة بكل الطرق والوسائل. فإذا فشل الوزير في حماية نفسه، كيف له أن يحمي المواطنين؟.
ولكن العمليات الإرهابية التي حدثت في مصر بعد ثورة 30 يونيو تؤكد التهاون الشديد في هذا الملف، ففي واقعة محاولة إغتيال وزير الداخلية ثبت أن الإرهابي الذي قام بها عاين منزل الوزير، ومر أمامه، كذلك أوضحت الإعتداءات على مديريات الأمن أن نظرية "الحرم الآمن" غير موجودة. حتى أنه في إحداها دخلت السيارة المفخخة إلى مبني المديرية بلا رقيب أو حسيب، مما ضاعف من خسائر الإعتداء.
أما الإغتيالات المباشرة وأهمها وقائع إغتيال النقيب محمد أبوشقرة ، والمقدم محمد مبروك، واللواء محمد السعيد، فقد كشفت جانباً جديداً من التقصير الأمني ، فلم نسمع أن أحدهم كانت بمعيته حراسة خاصة، أو تسليح مناسب مكنه من حماية نفسه، أو حتى الرد على القاتل الذي كان في الواقعة الاخيرة يقود "دراجة نارية".
في الوقائع الثلاث لم تتوفر الحماية الكافية للضحايا . رغم أن كل منهم شخصية مهمة في مكافحة الإرهاب . فـ "الأول" كان مسؤولاً عن ملف الإرهاب في سيناء، و"الثاني" كان محققا في قضية الإخوان وشاهدا رئيسياً بها، و"الثالث" كان مدير المكتب الفني بوزارة الداخلية، ومساعد الوزير "شخصيا".
لقد بُحَّ صوتنا في المطالبة بإحاطة المباني الأمنية بـ "بلوكات أسمنت" وعمل حرم آمن لها يحميها من "السيارات المفخخة" وأيضا نقلها من اماكن الإكتظاظ السكاني إلى أخرى لكي يسهل تأمينها بالحواجز وطرق الكشف الحديثة.
ولكن دون جدوى . حتى أن أحد المواطنين الخليجيين رد على خبر الإعتداء على إحدى المديريات بنشر صورة "بلوك أسمنت" يحمي أحد المقرات في بلده، وهو بذلك يكشف لنا أحد أسرار التأمين العجيبة التي لم نكتشفها بعد.
في واقعة الإعتداء على مديرية أمن القاهرة ، كان المخطط الإعتداء على مديرية أمن الاسماعيلية، ولكن الإرهابيون فشلوا في الوصول إليها بسبب التأمين المحكم ، فحولوا مخططهم لـ "القاهرة"، وهذا يدل على أن التأمين جهود فردية وليس نظاماً يسري على الجميع.
أعلم أن البلاد تعرضت لعدد من الضربات الأمنية الشديدة، بدأت بمخطط الإخوان لإقتحام السجون في 25 يناير، ومحاولة "تركيع الأمن" ، وإنتهت بكارثة تولي "رئيس إرهابي" حكم مصر، وهي الخطوة التي دمرت الجهاز الأمني، وجعلت أسراره على قارعة الطريق، ولكن الضبط الأمني ليس خياراً، ولكنه معركة وجود .. باختصار إما نحن أم الإرهاب؟.
المصريون متدينون بالفطرة، لذلك يعتمدون على "البركة" في الكثير من أمور الحياة، ولكن قد نقبل ذلك في الشؤون الاجتماعية، ولكن التعامل في مجال الأمن بـ "البركة" خطير وكارثي.
"مصر" في حاجة ماسة إلى "الكفاءات" ليس فقط في جانب "الأمن"، ولكن في جميع المجالات، وإذا لم تتخذ بسرعة إجراءات لتمكين "الكفء" في كافة المواقع .. انتظروا معي المزيد من الإنتكاسات، والإغتيالات، والإعتداءات الإرهابية المروعة.