كانت العرب قديما تعمد إلى تخفيف اسم الأنثى فتجعله مذكرا على سبيل الترخيم أو للضرورة الشعرية. مثلا يقول امرؤ القيس في معلقته "أفاطمُ مهلاً بعضُ هذا التدللِ"، والشاعر هنا يقصد "فاطمة".
هذه هي الحالة الوحيدة التي أعرفها في الأدب العربي، والتي تبيح مخاطبة الأنثى بلفظ المذكر، ولكن ما نراه في الساحة الغنائية يثير الدهشة والاستغراب، فالمتابع لنصوص الأغاني التي تملأ الساحة سيكتشف أن معظم ما يقدم الأساس فيه مخاطبة الأنثى بلفظ المذكر.
فالمطرب ـ في معظم الأحيان ـ يخاطب الحبيبة بلفظ "حبيبي" عكس المطربة التي تسمي الحبيب حبيبا، وهذا الأمر كان من الشيوع بصورة جعلته كالقاعدة، حيث درج الشعراء على مخاطبة الحبيبة بلفظ الحبيب، ولكن هذا الشيوع لم يخف شذوذ الأمر، واصطدامه بالموروث الاجتماعي الذي يعتبر الذكر ذكرا، والأنثى أنثى.
ليس ذلك فقط، فالظاهرة الغريبة تمادت وتطرفت لتصل إلى حد غاية في الغرابة، فلم تكتف النصوص الغنائية بمخاطبة الأنثى بلفظ المذكر، ولكن تعدت ذلك إلى احتواء الأغاني على ألفاظ تشير إلى المذكر نفسه. يقول مطرب شاب "الواد ده حلو سابق سنه" ، ويقول في أغنية أخرى (السود عيونه) ويرد عليه الكورال (ياوله) ، ويقول مطرب آخر (الواد قلبه بيوجعه.. عاوز حد يدلعه)، ويقول مطرب ثالث في أغنية: (الواد كداب ما عملش حساب إني معلم قلوب)، ويقول رابع (لا تتمرجل على .. عاشق قلبه ابتلى).
و"الواد" لفظة عامية تعني "الولد"، وبذلك يصبح الأمر مضحكا، فالمطرب يخاطب "ولدا" وليس أنثى، وهذا أمر غريب، وإمعانا في التطرف ظهرت أغان تتغزل في أسماء مذكرة بطريقة مباشرة ، كالمطرب الذي يغني أغنية يبث فيها أشواقه ولواعجه لشخص اسمه "علي" ـ أي والله ـ ، ولا أدري هل بالفعل يقصد "علي" أم كان يقصد "علية"؟! ، ومطرب آخر يغني ويبث أشواقه لشخص اسمه "محمد" في أغنية يقول فيها (حبك فتني يامحمد / وعيوني ياحمودي/ لا آكل ولا أشرب/ ودموعي فوق خدودي/ ياناس أريد محمد/ مين عنده لا يحرموني/ خلوني أشوفه/ وخدوا بعده عيوني)..!!.
نفس الأمر موجود لدى الأصوات النسائية ولكن بدرجة أقل . تقول المطربة "تذكرتك يا عليا وتذكرت عيونك، ويخرب بيت عيونك يا عليا شو حلوين ".
فهل هذه الظاهرة ذات أصل لغوي يمكن الاعتماد عليه، أم إن الأمر يرجع إلى ميراث اجتماعي بالغ القدم يعتز بالذكر، ويجعله مصدر الفخر في القبيلة، بينما يئد الأنثى، ويعتبرها مصدرا للعار؟، أم إن الأمر امتداد شاذ للآفة الاجتماعية والشعرية المشينة التي عانى منها الأدب العربي في بعض عصوره، وهي آفة الغزل بالمذكر التي تثير الخجل والحرج؟ أم إن السبب جهل تعبيري قديم سار وراءه الكثيرون فأصبح خطأ عاما؟. أم إن السبب مزيج من كل ذلك؟.
حتى لو كان هناك أصل لغوي، وهذا مستبعد، فإن الخلل واضح ،لأن الأغنية ستكون بذلك إحدى وسائل تخريب الهوية الاجتماعية والجنسية، ونضرب مثلا هنا بملابس "اليوني سكس" التي انتشرت بالأسواق والتي تصلح للرجل والمرأة في وقت واحد، واعتراض الطب النفسي على هذه الملابس وتأكيده أنها تؤدي إلى اضطراب الهوية الجنسية.
الأغنية العربية تحتاج إلى ثورة تصحيح في الكثير من الجوانب، أهمها هذا الخلل التعبيري الواضح، الذي أفرز لنا أغنيات تخرب اللغة وتدمر الهوية الجنسية