إبداء الرأي ليس مطلبا كماليا أو ترفيهيا ، أو تنظيرا لأحد أساتذة الاجتماع، ليست منحة من حاكم أو نظام سياسي، وإنما هو مقوم أساسي من مقومات الحياة، فالإنسان القادر على التعبير عن رأيه إنسان قادر على الحياة، يفكر ويقارن ويتبين الجيد من الرديء، ويقدم رأيه الخاص . أما الإنسان المعتاد على التلقي فقط، إنسان أبكم يشبه جهاز الفاكس أو الناسوخ الذي يرسل فقط المعلومات التي يتلقاها، يحمل داخل دماغه عقلا معاقا لا يتحرك إلا بعكازين.
ولكن المشكلة أننا نربي أبنائنا بطريقة رجعية لا تساعد على تقديم جيل يفكر ويدلي برأيه، فنحن نربيهم على أن يكونوا مستقبلين فقط كأجهزة الستالايت، واقتصر دورنا على إصدار الأوامر والنواهي، وإذا تجرأ الطفل بإدلاء رأيه اعتبرنا ذلك من قبيل عدم الاحترام وعدم الطاعة.
إذا راقبنا الطفل في مراحله المختلفة سنكتشف أننا نمارس الوصاية عليه في جميع مراحل حياته، فنحن من يحدد ملبسه، وألعابه والتخصص الذي يدرسه، وفي كثير من الأحيان العروس التي سيتزوجها، وتمتد الوصاية إلى حياته الزوجية وحتى طريقة تربيته لأبنائه، والنتيجة الحتمية لذلك ظهور جيل صامت لا يتكلم أو يتفاعل مع الحياة، غير قادر على الاختيار.
أتذكر أستاذي بالجامعة الذي كان يعطي الطالب الذي يقدم الإجابة النموذجية الموجودة في المنهج درجة منخفضة، والسبب أن الطالب لم يقدم رأيه الخاص، وعلل ذلك بعبارة مأثورة هي "بضاعتنا ردت إلينا".
إبداء الرأي ثقافة اجتماعية مهمة، وأحد مقومات الوعي والاستنارة والنجاح والأخلاق ودعامة أساسية من دعائم التربية الصحيحة.