البكتريا العنقودية كائن جرثومي انتهازي يعيش على الأسطح الجافة لأمد طويل, وذلك لقوة جدار جسمه، وهو ينتشر من إنسان إلى آخر عن طريق الاتصال المباشر أو التعرض لأماكن تكون البكتيريا مستوطنة بها، ولا يوجد موسم محدد لانتشارها . حيث تنتشر في كل الفصول.
البكتيريا الوظيفية كائن انتهازي ينتقل بين الأقارب والمعارف، فينتقل من الأب لابنه وابن خالته، أو ابن عمته، أو ابن أخت المدام، وتتدرج العدوى لتصل إلى جميع درجات القرابة والمعرفة، لتصل في النهاية إلى ابن القرية وابن الحتة وابن الجيران، وبسرعة ينقل صاحب السلطة العدوى لأكبر عدد في المجتمع، وذلك بتعيينهم في المناصب والمراكز، ولا تقتصر البكتيريا الوظيفية على موسم معين، ولكنها تنتقل طوال أيام السنة.
البعض يطلق على هذه العدوى واسطة أو محسوبية أو محاباه أو خدمة، ورغم اختلاف المسميات، فإن المعنى واحد، ويتضمن محاباة شخص لآخر بمنحه وظيفة دون وجه حق، استنادا للعلاقة بين المانح والممنوح، دون أي اعتبار للقواعد الوظيفية التي تنص على تكافؤ الفرص، وتعيين الأكفأ فقط.
وتنتشر البكتيريا الوظيفية في المصالح الحكومية ووسائل الإعلام والبنوك والشركات الكبرى، وغيرها من المؤسساتـ، حتى أن المتابع يلحظ سيطرة عائلات معينة على قطاعات معينة كالإعلام، فالمذيع لابد أن يكون ابنه مذيعا، والوزير لابد أن يكون ابنه وزيرا، والمسؤول يجب أن يكون شقيقه مسؤولا، والفنان يجب أن يكون ابنه فنانا، وتنشر شبكة العلاقات خيوطها لتصل إلى أعلى المناصب، كما يحدث في بعض المجتمعات، عندما يصبح ابن رئيس الدولة رئيسا، وهي الظاهرة المعروفة سياسيا بـ "التوريث".
ورغم أن المحاباة تتم كنتيجة مباشرة للمعرفة، فإن الواقع أثبت أنه في بعض الأحيان لا تكون هناك معرفة بين الطرفين، ولكن المصلحة الشخصية تجمع بينهما، فقد يحابي الشخص آخر على سبيل التعصب لدين أو جنسية أو مذهب، وقد يحصل المانح على مقابل منحته في شكل عيني، وذلك بالحصول على محاباة أخرى مقابلة، على سبيل "شيلني وأشيلك"، وبصيغة أخرى "امسك لي وأقطع لك"، وقد يكون المقابل ماليا ، حيث توجد وقائع عدة تشير إلى أشخاص يمتهنون توظيف الشباب مقابل مبالغ مادية، كما أن المحاباة قد تتم مقابل رشوة جنسية، كما حدث في أحد القضايا التي نظرها القضاء منذ سنوات، والتي كشفت عن طلب مخرج تلفزيوني رشوة جنسية من ممثلة صاعدة، لكي يمنحها أدوارا في أعماله الدرامية، .. المهم هناك منفعة معينة ناتجة عن المحاباة الوظيفية.
ولا تقتصر المشكلة على المحاباة، ولكنها تصل إلى مستويات خطيرة تتنافى مع كل قواعد الشرف والأمانة، عندما يقوم رئيس جامعة بمنح درجة الدكتوراه لابنه، وقيام عميد كلية بتنجيح ابنته.. وقيام المحقق الذي يحقق في قضية يحاكم فيها ابن خالته، بإخفاء الأدلة، لكي يهرب قريبه من العقاب.
للمحاباة وجه آخر ، حيث تتسبب أحيانا في إفلات المجرمين من العقاب، وذلك جبرا للخواطر، ومراعاة للعلاقات النافذة، وقد نبه الرسول الكريم إلى خطورة ذلك في الحديث الشريف، قال الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".
وللواسطة تأثير خطير على المجتمع، فهي تمنح الفرص لضعيفي القدرات، وذلك يسبب إضعاف المجتمع، من خلال تقلد أصحاب الإمكانات الضعيفة المناصب، مما سينعكس سلبا على معدلات الأداء ، إضافة إلى ما يسببه حرمان الكفاءات الحقيقية من حقهم الطبيعي في التعيين والارتقاء والعطاء، وما يترتب على ذلك من ظلم وزيادة الاحتقان الطبقي في المجتمع.
وهذه الآفة وإن كانت موجودة في المجتمعات الأخرى، ولكنها تكون غالبا ظاهرة شاذة لا يمكن تعميمها، حيث تسود قيم الإدارة الصحيحة، أما في العالم العربي فتملك الواسطة تصريحا مفتوحا بالتجول والحركة، وتستمد شرعيتها وقوتها من العوامل الاجتماعية العادات والتقاليد، فالموروث الثقافي يبررها دائما، ويحميها، ويفسح لها المجال للانتشار، ففي العالم العربي تتقدم العوامل القبيلية والعشائرية والعائلية والمذهبية، وتتراجع القيمة والموضوعية، ليس ذلك فقط، ولكن يمكن أن يعير المسؤول إذا لم يساعد ابنه أو قريبة في التعيين في وظيفة مرموقة.
ورغم تنافى المحاباة مع القيم الأخلاقية، وامتعاض المجتمع المغلوب على أمره منها، وتضرره بسببها، فإن المجتمع استأنس الظاهرة، وقد عبر الحس الشعبي عن ذلك بالعديد من الحكم والأمثال منها "الأقربون أولى بالمعروف"، و"الذي له ظهر لا يضرب على بطنه".
ورغم وجود هذه الظاهرة في المجتمع، لم يتصدى أحد لدراسة حجمها الحقيقي، والخسائر الاقتصادية الناجمة عنها، ورغم وجود مؤشرات عالمية للفساد، وأرقام تقديرية للخسائر الناتجة عنه، إلا أن البكتيريا الوظيفية لم تحظى بالاهتمام والدراسة، رغم أنها أحد أنواع الفساد.
أتمنى أن تدرج المنظمات الدولية المحاباة الوظيفية ضمن العناصر المتعددة للفساد الإداري، ووضع المعايير اللازمة لرصدها وتصنيفها، والأهم وضع الآليات الخاصة بمكافحتها.
كلما زادت المهنية والموضوعية وقيم العمل والإدارة الصحيحة، كلما نجح العمل وحقق الأرباح، وتقدمت المجتمعات والأمم، وكلما زادت العوامل الشخصية في العمل بمفرداتها الواسطة والمحسوبية والمحاباة، كلما فشل العمل وحقق الخسائر، وتخبطت المجتمعات في الفقر والفساد والضياع.
تاريخ الإضافة: 2014-04-14تعليق: 0عدد المشاهدات :1082