مادمتَ أصبحتَ كاتبا، فإن هناك ميثاق غليظ يجب أن تلتزم به، فالكاتب والصحفي والإعلامي، وكل من هو في موقع التوجيه عليه مسؤولية اجتماعية وأخلاقية كبيرة.
الكاتب يجب أن يكون نصيرا للقيم، فلا نتصور كاتبا يدعو للانحلال والعري والفساد،.. ، يجب أن يكون نصيرا للضوء والحرية والوعي والتنوير، فلا نتصور كاتبا يدعو إلى للظلام والرجعية والقهر، .. يجب أن يكون أمينا صادقا عف اللسان، فلا نتصور كاتبا خائنا كاذبا سليط القول. يجب أن يكون شجاعا قائدا كالفاتحين، فلا نتصور كاتبا ضعيف الشخصية يخاف من خياله.
الكاتب كالشرطي، والقائد، والجندي، والموجه، والمعلم، وإمام المسجد، والمفتي وراعي الكنيسة، ورجل الدين، والعالم، والقاضي، والمغني، والموسيقي، والأديب، والمصلح الاجتماعي، وإذا كان لكل مهنة شروط يجب على المتقدم لها أن يتمتع بها، فإن شروط الكاتب أشد وأشد، وقديما كانت لجنة قبول عضوية نقابة الصحفيين بمصر تضم قاضيا من مجلس الدولة، تجسيدا لهيبة الأمر.
إذا أردت أن تكون كاتبا، يجب أن تتخلص من الانفعال والمشاعر الشخصية والرأي الخاص والتعصب والانحياز والفئوية والقبلية والمذهبية، وناديك المفضل، وتصبح كالعدالة العمياء لا همَّ لها سوى الحقيقة.
الكتابة والصحافة والإعلام من المهن الحاكمة وفقا لتعريف الأستاذ مكرم محمد أحمد ، وهي تلك المهن التي قدّر الله لها أن تخاطب الجميع، وتؤثر في الكافة، فهي تختلف عن المحاسبة وتجارة التجزئة وصناعة السيارات، فهي لا يقتصر دورها على خدمة فئة محددة، ولكنها مهن تخاطب الإنسانية، وتؤثر في العالم الكبير.
لذلك كان التشديد على السمات النفسية والأخلاقية والمهنية التي يجب أن تتوفر في أصحاب هذه المهن، لأننا ببساطة إذا تجاوزنا عن أي منها، سنكون أشبه بمن يعطي بندقية سريعة الطلقات لمجنون، أو تكليف طفل بقيادة طائرة، أو تعيين لص مديرا للبنك المركزي.
من هنا كانت عظمة هذه المهن وجلال قدرها وقوة تأثيرها، والمكانة التي يتمتع بها ممارسوها، ومن هنا أيضا كان عظم الخطأ، فخطأ الصحفي أو الكاتب أو الإعلامي سيكون خطأ استراتيجيا، كالخطأ في ميدان المعركة .. ضحاياه كثيرون.
الكاتب إذا أصاب، يسود العدل، وترقى البشرية، وتسمو الأخلاق، ويتراجع الجهل، ويسعد البشر، وتتحقق المدن الفاضلة، وإذا أخطأ سيتوه الناس، وتتضرر السمعة، وتتفكك الأسر، وتنهار الأمم، ومع عظم التأثير تكون فداحة الخطأ، ومع جلال الثواب يكون حجم العقاب. يقول تعالى "وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"، فالكلمة القادرة على إحياء أمة، قادرة في الوقت نفسه على هدمها.
ولكن مع التراجع الذي أصاب كل شيء في حياتنا، اهتزت المهن الحاكمة وأصبحت في بعض الأحيان مهنا محكومة. إذا لم تصدق، انظر إلى الصحافة العربية المقالات الموجهة التي تنشر البغض والكراهية، وتثير الفتن بين الأعراق والطوائف والمذاهب، والصحف الصفراء التي تنشر الكذب وتثير الفتن بين الدول، والمقالات التي تكتب بالأمر المباشر تبعا لأهواء وأجندات خارجية، .. انظر إلى الصحفيين الذين يقفون على أبواب إدارات حكومية ورجال أعمال وفنانين، ليتسلموا الراتب الإضافي آخر الشهر، .. انظر إلى فضائيات الشعوذة والكهانة والتعصب القبلي، وبرامج الابتزاز السياسي التي تلعب على كل الحبال، وفضائيات العهر والعري والبذاءة، والضمائر التي تتلون كالحرباء وتصلح لكل الفصول.
فكيف نتخلص من هذا الطوفان، .. كيف نعيد للمهن الحاكمة هيبتها المفقودة؟، الحل يكمن في العودة إلى قيم الكتابة والصحافة والإعلام .. العودة للمهنية أملنا الوحيد للخلاص من هذا المصير.