كل إنسان يحب ابنه .. الحب الأبوي غريزة ، حتى لو كان هذا الابن مشاغبا، أو سييء الأخلاق، كل أب يمدح ابنه، فهو جميل حتى لو كان أحولا تنطق ملامحه بالغباء، ، وهو "ملاك" حتى لو كان عدوانيا يثير الفوضى في أي مكان، تداعب الأم طفلها الذي يظهر عليه سمت أولاد الشوارع وتقول "ياختي كميلة" . وهناك مثل شعبي بليغ يقول "القرد في عين أمه غزال".
لن ندعي المثالية ونقول أن الأب سوف يقيم ابنه تقييما أمينا، فيحبه عن كان يستحق الحب، ويكرهه إن كان يستحق الكره، فليس بوسع الأب أن يكره ابنه حتى لو ظلم الابن وتجبر العلاقة بين الأب وابنه علاقة عاطفية خالصة، فالأب يقيم ابنه بالعاطفة وليس العقل، فيرى أنه أعظم إنسان على وجه الأرض، ويصفه على سبيل الدعابة بأنه "ولي العهد"، لذلك يكون التقييم تقييما خاطئا يفتقد للموضوعية، ونحن نرى كل يوم نتيجة ذلك عندما نرى مذيعة "لدغاء" تتصدر الشاشة، لأن والدها مسؤول كبير بالتلفزيون، ونرى ابنا تافها توحي ملامحه بالعبط يشغل منصبا مرموقا، لأن والده رجل الأعمال الكبير.
الأنظمة الملكية التي تعتمد على توارث الحكم من الآباء إلى الأبناء إلى أبناء العم أو أبناء الخالة تنطبق عليها نفس المشكلة، لأن التقييم الخاطيء هو الذي يحرك العلاقات فيما بينها، لذلك فإن مبررات حكمهم باطلة.
نظام الحكم الرشيد هو الذي يكفل تولي الأكفأ للحكم، لن يفيد الوطن أن يكون الحاكم قريبا لهذا أو ذالك، ليس في الإسلام دماء نبيلة تسري في عروق جماعة او جهة او عائلة، فالكل سواسية كأسنان المشط، ليس في الإسلام أفضلية عرقية أو عائلية ، على العكس فالإسلام يؤكد إمكانية أن يولد من الصالح طالحا، ويولد من الطالح صالح. وأكد على "إنك لا تهدي من أحببت، والله يهدي من يشاء".
نظام الحكم الرشيد من المفترض أن يولي الصحيح جسميا وعقليا، والأفضل خلقا وعملا ، والأكثر مهارة. لأنه ليس من المتصور أن يكون الحاكم هو الأسواء. تفوق الحاكم وتميزه عنصر أساسي ليس على مستوى الحكم، ولكن على مستوى كل الأشياء. وسواء أكان ما سيحكم بلد أو شركة أو مصنعا. المفترض أن يكون من يحكم أو يدير هو الأفضل ليس على مستوى فئة أو جماعة ولكن الأفضل على مستوى المحكومين كلهم وهم الشعب.
ولكن النظام الملكي ـ أي نظام ملكي ـ يعتمد على اختيار الحاكم لابنه لكي يكون وليا للعهد بطريقة شخصية، ليظل الحكم متوارثا داخل عائلة دون غيرها، في هذا النظام لا دور للشعب في اختيار حكامه، البلد تكزون أشبه بقطعة أرض يتوارثها الابن من والده، وهكذا .. ، وهذا النظام لا يضمن اختيار الأصلح، على العكس قد يتسبب في تولي الحكم في يوم من الأيام شخصا غير سوي أو مصابا بمرض جسدي او نفسي خطير يؤثر على قدرته على الحكم، وقد يتسبب النظام الملكي بآليته المنحازة المتعصبة التي لا تحكم إلا العاطفة وصلة الدم، في تولي حاكما من ذوي الاحتياجات الخاصة.
في الحكم الملكي ـ في الغالب ـ البلد ملك لعائلة، أما في النظم الجمهورية أو الملكية الدستورية فالبلد ملك للشعب.
مهما حاولت الأنظمة الملكية أن تكون عادلة، فهذا سينجح في إقرار العدل، ولكن ابنه أو قريبه قد يفشل. إضافة لذلك فإن صلة الدم عامل مهم لإجهاض العدل، فلن يستطيع الأب أن يحاكم ابنه أو قريبه إذا أخطأ أو سرق أو ظلم .. ، العصبية التقليدية التي تحكم علاقة الأب بابنه وأقاربه ستمنع إقرار العدل.
أقصى ما يمكن أن يفعله الحاكم لعقاب اينه هو أن "يملص له ودانه"، ويقول له "لاتفعلها تاني"، وحتى يتصنع العدل أمام الرعية ، سيضربه "كده وكده " أي تمثيل. وينتهي الأمر.
سيحدث ذلك رغم أن الإسلام العظيم أقر العدل، وأمر بتنفيذ الحدود على الجميع، الحاكم والمحكوم، والثري والفقير ، السيد والعبد .. وقال محمد صلى الله عليه وسلم "والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".
النقطة الأخرى الأساسية هي أن الإسلام العظيم لم يقر التوارث كوسيلة للحكم، فالرسول الكريم لم يورث حكمه والخلفاء الراشدين أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي لم يتوارثوا الحكم، توريث الحكم بدعة إنسانية خالصة ليس لها علاقة بالدين. لقد أقر الإسلام الشورى .. والشورى بمفهومها البسيط الذي كان يتم منذ أكثر من 1400 عاما تعني الانتخاب في عصرنا الحالي.
قد نقبل الملكية الدستورية التي تحفظ للأسرة المالكة فضلها إذا كان لها فضل تاريخي على البلد، وفي الوقت نفسه تحقق آلية الحكم العادل الرشيد، ولكن الحكم الملكي الخالص الذي يكرس الفردية والعائلية والتعصب الأسري لا يصلح أسلوبا لحكم الشعوب.
ضحكت من قلبي عندما قرأت تقريرا لأحد المواقع الإخبارية يتحدث عن ظهور مجموعة على الموقع الاجتماعي "فيس بوك" يطالب بعودة الملكية إلى مصر، وهي دعوة ـ إذا افترضنا تجردها من الغرض في الفكرة والنشر ـ تثير الضحك. ليس لأنها تقدم صورة مضحكة لدولة ملكية. ولكن لأنها فكرة تخالف العقل.
في ربيع الثورات العربية ، وزحف الشعوب للحصول على حريتها ، وبعد نجاح ثورتي تونس ومصر، وتوهج ثورات ليبيا وسوريا واليمن، هناك من يقود ثورة مضادة لصالح الخريف العربي، ويصر على بقاء العرب تحت الأرض.
مع تقديري لكل الآراء حتى لو كانت غريبة ومنافية للعرف والطبيعة، لا يتمالك المرء نفسه من الضحك، لأن الشعوب العربية التي دفعت الثمن غاليا للحصول على حريتها .. وتحقيق الدولة المدنية الحرة التي تحقق العدالة الاجتماعية والتعددية السياسية . لن ترضى بحكم ملكي يعيدنا للوراء 500 عاما.
لم تدفع الشعوب الشهداء على سبيل الهزار مثلا، ولكن من أجل قضية عادلة وهي قضية الحرية. لذلك ستظل هذه الدعوة الغريبة المشكوك بها أشبه بالنكتة السياسية لا تثير إلا الضحك.
الديمقراطية تعني أن الحرية مكفولة لأي شخص ليعبر عن رأيه كما يريد، مهما كان هذا الرأي، غريبا وشاذا، وان الحوار هو السبيل الوحيد للتعامل مع هذا الرأي،.. في الديمقراطية يمكن لشخص أن يدعو لما يشاء .. حتى لو ظهر أحدهم ليدعو لتولي الجن حكم مصر، وأن يكون السيد عفركوش حاكما لمصر.