العامل النفسي عامل أساسي في الكثير من الأشياء، في النجاح، والسعادة، والجنس والنصر، والصحة، والنهضات الاقتصادية . إذا توفرت للجيوش العتاد والسلاح والتجهيزات الحديثة، وضعف العامل النفسي الذي يتمثل في الثقة والإيمان والعزيمة على النصر لن تحصد إلا الهزيمة. إذا ملك الإنسان البلايين ، وافتقد للعامل النفسي الذي يتمثل في الرضا والسلام النفسي، لن يهنأ أبدا.
هناك مرضى أكد الأطباء أن حالاتهم ميئوس منها، ولكن بالأمل والتفاؤل وارتفاع الحالة المعنوية تولدت لديهم قوة خفية ساعدت على تراجع المرض، وشفاء الجسد العليل.
العامل النفسي هو الذي يحدد نجاح الإنسان أم فشله، ثراءه أم فقره، سعادته أم شقاءه، البعد النفسي محرك أساسي في الجريمة والضغينة والزواج والخلافات الزوجية، والمخالفات المرورية، والعلاقات بين الدول.
الأمراض أشد فتكا بالإنسان، والمرض قد يكون عضويا أو نفسيا، ولكن المرض العضوى غالبا ما يكون واضح المعالم والأعراض والعديد من الأمراض العضوية تحدث نتيجة لمرض نفسي، ولكن " النفسي" يشبه الشبح.
هناك سطوة غير عادية للنفس على الجسد. فالنفس يمكن أن تدفع الإنسان إلى المركز المرموق، ويمكن أن تودي به إلى السجن، يمكن جدا ان تدفعه إلى الجنة، ويمكن أن تحمله إلى النار، ولكن رغم هذه الأهمية الكبيرة للعامل النفسي فإننا نهمل "النفس" ونجهل أطوراها وسماتها وكيفية التعامل معها.
العامل النفسي هو الذي يحول العاشق الضعيف عندما يستمع لكلمة حب من حبيبته إلى أقوى رجل في العالم، يستطيع أن "تكسر الدنيا"، وهو الذي يجعل فئة قليلة تهزم فئة كثيرة... ، الروح قوة خفية يخطيء الكثيرون في تقدير قوتها، كان المعيار الوحيد للقوة دائما هو الجسد وحجم ما يملكه الشخص من عضلات، بينما في الحقيقة هناك قوة أخرى خفية غير منظورة هي قوة النفس.
قوة النفس يكون لها الكلمة الفصل في الكثير من المجالات .. في الحروب، والمفاوضات والأعمال التجارية والعلاقات الإنسانية . وقد رعى الإسلام قوة هذه الطاقة الخفية، فتحدث كثيرا عن الإيمان، وقوته، وكيف يحول الضعف إلى قوة، والهزيمة إلى نصر، وأكد أهمية العامل النفسي في التعامل مع الأعداء، فالمؤمن ليس فقط ينتصر بالقوة الجسدية والعددية، ولكن أولا بقوة الروح التي تزرع الرهبة في نفوس الأعداء، قال تعالى " "ترهبون به عدو الله وعدوكم"، قوة النفس هي التي تجعل الفأر قادرا على إرهاب الفيل، والثائر البسيط إرهاب الحاكم وجنوده وأجهزته الأمنية.
ظلمنا النفس كثيرا عندما اعتبرناها مصدرا للشرور والآثام " وتمسكنا فقط الآية التي تقول " إن النفس لأمارة بالسوء"، ونسينا أن النفس الأمارة بالسوء يمكن أن تكون أيضا أمارة بالخير والعمل والنجاح.
ما مسؤولية النفس والروح عن الأعمال الشريرة؟ أو حتى الخيرة .. فعل الإنسان الصائب أو الخطأ منبعه النفس أم الجسد، قد يكون الإجابة محسومة، فظاهريا الجسد هو المسؤول عن التصرفات لأننا لا نرى غيره، أيضا لأن العلماء اكتشفوا دورا للجينات في السلوكيات المختلفة.. والجينات شيء مادي يتعلق بالجسد. كما اكتشفوا أن شكل وطبيعة المخ تؤثر في الذكاء.
ولكن هناك شواهد أخرى تؤكد مسؤولية الروح أو النفس عن التصرف، فالمزاج السيء أو الجيد يحددان موقف الإنسان ، كما أن وصف "الأرواح الشريرة" الذي يتردد قد يعطي لنا دلالة على مسؤولية الروح. التي تتحرك أحيانا بمعزل عن الجسد. كما أن الله تعالى صنف الأرواح وحدد النفس المطمئنة من غيرها، وقال "ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي".
الروح هي المسؤولة عن تصرف الجسد؟، قد يكون هذا الرأي وجيها، إذا تذكرنا أن الروح عندما تغادر الجسد يصبح هذا الجسد كالعدم.
أعتقد أن الروح والجسد يؤثر كل منهما في الآخر، كل منهما له دوره في صياغة الفعل. وعندما تغادر الروح الجسد عند الوفاة تحمل الروح الذات الإنسانية التي تشبه ذاكرة أو أشرطة التسجيل أو المضبطة التي تتضمن تاريخ الإنسان الشامل إلى العالم الآخر. لكن الروح التي انفصلت عن توأمها الجسد عند الوفاة، ما تلبث أن تعود فيما بعد عندما يأمرها الله يوم القيامة ، فيبعث ما في القبور، ويحصل ما في الصدور ليتم حينها الحساب.
وتعيش الروح مع الجسد مرة أخرى ليتشاركا معا في الجزاء، إن كانت الجنة فسوف ينعمان معا بالجنة، وإن كان النار ـ والعياذ بالله ـ فسوف يعانيان معا في النار. الله لا يحاسب الروح ، ولكن يحاسب الروح والجسد معا.
من ذلك يتضح قيمة النفس في حياة الإنسان .. فعلى الرغم من عدم تجسدها أو ظهورها أو معرفة كنهها . فإنها تؤثر تأثيرا كبيرا في حياة الإنسان .
ولكن الإنسان يهتم بالجسد، ولا يهتم بالروح، يسارع بتطبيب الجسد والتماس العلاج له، وعندما تتعب الروح يتركها تئن من العذاب. حتى عندما تمرض النفس وتحتاج إلى العلاجا النفسي، يرفض الإنسان زيارة الطبيب النفسي خوفا من أن يوصم بالجنون.
كما يوجد غذاء للجسد هناك غذاء للروح، ولكن غذاء الجسد موجود في البقالات والأسواق والمطاعم، أما غذاء الجسد فلا يعرفه أحد. كما يوجد علاج دوائي للجسد، هناك علاجات للروح.
هناك جهل عام بدور النفس في سعادة الإنسان . وتكون النتيجة أن الكثيرين يحصلون على جسد صحيح معافى، ولكن في المقابل النفس تكون جريحة متعبة مريضة .. فتكون المحصلة هي الشقاء.
حتى يحقق الإنسان السلام والنجاح والتفوق والحب، يجب أن يعرف أسرار النفس ، وأن يهتم بالروح قدر اهتمامه بالجسد، وهذا هو سر السعادة الذي لا يعرفه أحد.